العودة إلى الجريمة

قضايا عربية ودولية 2025/03/25
...

علي حسن الفواز




لا قواعد حقيقية في الحرب، ولا تأويل لها سوى أنها ممارسة مفتوحة على العنف والقتل العمومي، ولا أحسب أن هناك عاقلا يقول: إن بعض الحروب نزهة، وأن فرضها على الآخرين سيُعطيها شرعية، أو تمثيلا لفكرة القوة الفائقة.

ما يحدث في غزة، وحتى في جنوب لبنان، ليس من وصفٍ حقيقي له، سوى أنه عودة إلى الجريمة، وإلى التغول في سياسة الأرض المحروقة، فالكيان الصهيوني يواصل الجريمة مع “سبق الإصرار والترصد” وبأجندات مفتوحة، تتسع للمجازر، ولأهداف التهجير، وفصل الأرض عن تاريخها، وعن ساكنيها، مع التعمّد في القتل المفتوح لمئات الشهداء الذين ضاقت بهم البيوت والمقابر.

العودة إلى الجريمة، ليس عنوانا غامضا، ولا نسخة من فيلم بوليسي، إنها جريمة كونية، وخرقٌ خطير للتاريخ، ولحقوق الإنسان، وعودة فاضحة إلى الإكراهات العنصرية للاستعمار بنوعيه “القديم والجديد”، فتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه يعني قتل ذلك التاريخ، مثلما أن توسيع مساحة الجريمة يعني سلوكا في التطهير العرقي والعنصري، فضلا عن علاقة هذا العدوان المفتوح بتغييب حق الشعب الفلسطيني بدولته الوطنية، وبتحويل “نظرية القوة” إلى خيار أنثربولوجي، له أهدافه وسياساته، على مستوى اصطناع حدود مثيولوجية لترسيم العلاقة مع الأرض ومع اللغة والهوية، وعلى مستوى تكريس السردية الصهيونية، كشكل استيطاني على الأرض، وإعادة قراءة أطروحات المقدس الإسلامي والمسيحي.

التدمير الشامل للمدن والمخيمات، ومؤسسات الخدمات العامة، وللأثر التاريخي فيها، ليس بعيدا عن “هوية العدوان” ولا عن أهدافه في تحقيق مشاريع ستراتيجية، تخص السيطرة على الممرات المائية، وعلى جغرافيا الطاقة، وبهدف إعادة إنتاج مفهوم السيطرة، عبر إنعاش “المتخيل السردي” الخاص بتجديد مفاهيم الاستشراق، والعمل على تحويل الشرق الأسطوري إلى شرق للخدمات السياسية، أو إلى شرق حكواتي، شرق غير مسلح، ولا يملك إرادة صناعة “العدو والصديق” لأن هذه الصناعة الأخلاقية  ستكون من صلاحية المستشرقين الجدد الذين ورثوا أطروحات برنارد لويس حول الأساطير السامية، وحول علاقة الأرض بهذه الأساطير.

فشل الحرب الأولى، أصاب الكيان الصهيوني بهستيريا البحث عن الفلسطيني المقاوم، على نحوٍ يجعل من الجريمة والعدوان وكأنهما الإصرار المجنون على المضي في تحقيق مشروع الأرض المحروقة، وصولا إلى أسطورة طريق براهما، وهو طريق لا يختلف عن طرق الاستعمار القديم إلى شرق الحرير، وشرق النفط والغاز.