عبد المهدي وقطار الفساد

آراء 2019/07/09
...

نوزاد حسن
ما حصل في البرلمان مؤخراً من تأجيل حسم ملف المناصب بالوكالة الى شهر تشرين الأول، أعاد الى ذاكرتي فيلم عادل إمام “الهلفوت” وهو واحدٌ من أجمل أفلام السينما المصرية في رأيي. دعوني أولاً أتحدث ببساطة شديدة وحزينة في الوقت نفسه كما لو كنت فراشة منهكة وقفت على حديد سلم قديم بحثاً عن وردة، أعني أنَّ صراع السياسة في آخر ملفاتها وهو الملف الذي أشرت إليه قبل قليل لم يحسم وتأجل ثلاثة أشهر تقريباً، وما يحزن في هذه القضية شيئان. الأول هو أن هناك مدراء عامين لا يستحقون أنْ يظلوا بمناصبهم أكثر مما بقوا، وفعلاً أخرج من أخرج دون أنْ يعني أنَّ من خرج هو بالضرورة غير كفوء. هناك من أدار مؤسسته بجدارة وهناك من قصر ولم يكن ناجحاً. إذن كان القانون صارماً وواضحاً في إنهاء الملف دون جدوى، هذا هو الشيء الأول.
أما الشيء الثاني فهو صراع الكتل على ما يبدو على تقسيم المناصب، وهذا الأمر هو ما عقَّدَ القضية، إذ لا يبقى هناك سند قانوني لأي مدير عام أو أي شخص من أصحاب الدرجات بالبقاء في عمله يوم 1 تموز، وهنا تم تمديد الفترة كي تتمكن الكتل السياسية من الوصول الى حل في ما بينها, وتقديم الأسماء التي تدعمها كل كتلة.
إذن نحن أمام شبح المحاصصة التي نمقتها جميعا دون أن تتخلص منها الأحزاب السياسية. وما يجعلني أحياناً أحس بضعف فراشة بيضاء هو هذا الفساد الذي تسعى الحكومة لمحاربته دون أن نشهد ضعفاً في قوته.
يقدم فيلم الهلفوت نصيحة مجانية للحكومة وهي أنَّ قطار الفساد سريعٌ ومن الصعب إيقافه من دون تكاتف جميع الشرفاء لإتمام هذه المهمة.
لنعد الى اللقطة التي تشهد عراكاً بالأيدي بين عسران الضبع (صلاح قابيل) وبين الهلفوت عرفة (عادل امام) وكلاهما فاسد. الأول قاتل مأجور يقبض أموالاً كبيرة لتصفية الناس، والثاني ينتحلُ شخصية القاتل عسران الضبع. وحين يكتشف عسران الضبع أنَّ الهلفوت عرفة قبض مالاً من شخص كان يقصد عسران الضبع كالعادة إلا أن الهلفوت أقنع ذلك الشخص انه هو عسران الضبع بشحمه ولحمه. بعد عراك بالأيدي يسقط الرجلان ويتدحرجان على سكة حديد. وفجأة يسمع صوت قطار قادم من بعيد، يظل عسران الضبع والهلفوت يتعاركان على السكة والقطار يتقدم وقبل أنْ يصدمهما يسحب الهلفوت عسران الضبع بعيداً ثم يكتشف الهلفوت عرفة أنَّ خصمه القاتل المأجور قد مات.
هذه اللقطة تعني شيئاً واحداً واضحاً هو أنَّ قطار الفساد لا يدوس الفاسدين الذين لم يركبوه، كما أنَّ أحداً لن يوقف هذا القطار.
أظن أنني أفكر الآن بأنَّ فرصة السيد عبد المهدي كبيرة بعد مجيئه الى رئاسة الوزراء بشروطه التي وضعها أمام الكتل. أظن هذا بقوة. وأنَّ في ثورته التي ننتظرها جميعاً من الممكن أنْ يقلل من سرعة قطار الفساد.. هذه أمنية.