خسارة قاسية تهزّ كرتنا وكابوس أبو جزر يُطيح بكاساس

الرياضة 2025/04/08
...

  تحليل: علي النعيمي

شكلت الهزيمة التي تلقاها منتخبنا الوطني لكرة القدم أمام نظيره الفلسطيني بنتيجة (1 - 2) في الجولة العاشرة من التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم (2026)، كابوساً ثقيلاً صدم الشارع الرياضي المحلي، وأحدث شرخاً كبيراً داخل الوسط الكروي، ما أجبر اتحاد اللعبة على اتخاذ قرار عاجل بإقالة المدرب الإسباني خيسوس كاساس، عقب الانتقادات الواسعة التي طالت قراءته التكتيكية الفاشلة للمباراة.


تبديلات كارثية

أجرى كاساس خمسة تبديلات في الشوط الثاني، كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر المنتخب، رغم تقدمه في الشوط الأول بهدف أيمن حسين أبرزها سحب قلبي الدفاع ريبين سولاقا وأكام هاشم، المعروفين بقدراتهما في الكرات الهوائية المشتركة وحرمان وائل أبو علي وتامر صيام من الإفادة منها، لكنَّ المنافس استغل هذه الثغرة ليسجل هدفيه من ركنيتين هجوميتين.


وسط بلا فاعلية

جرّدت التغييرات التي أجراها كاساس خط وسطنا من أدواته الفنية بعد الدقيقة (64)، بخروج كل من أمير العماري ويوسف الأمين، ما أفقد الفريق القدرة على السيطرة والتمرير الأرضي، ليتحول اللعب إلى كرات عشوائية هوائية، هذا الأمر أبطل فاعلية خط الوسط بقيادة أمجد عطوان والبدلاء شليمون لوكاس ومحمد الطائي.


أوراق الفدائي الرابحة 

في المقابل، أجاد مدرب فلسطين إيهاب أبو جزر قراءة تفاصيل اللقاء ودفع بأوراقه الرابحة، وعلى رأسها صانع الألعاب آدم كايد، والمهاجم محمد أبو وردة، وزيد القنبر، ليقلب الطاولة على منتخبنا ويقود “الفدائي” إلى انتصار تاريخي وكأنّ تجربة كاساس الحقيقية كمدرب أول لا تزال في طور النضج وعدم التكامل.


تحليل رقمي وتكتيكي

«الصباح الرياضي» يسلط الضوء لأول مرة في هذا التقرير على أبرز المتغيرات الرقمية والتكتيكية، عبر المخططات البيانية والمعايير الكمية التي أسهمت في هذه الخسارة الثقيلة، ونبدأ بأربعة مؤشرات أساسية:

1.  شدة الضغط 

(PPDA – Pressing Intensity)

وهو مؤشر يقيس عدد التمريرات التي يُسمح بها للمنافس قبل التدخل الدفاعي من قبل منتخبنا وقد بلغ معدل منتخب فلسطين في المباراة 8.7، أي أنه كان يسمح لمنتخبنا بتمرير (8) كرات قبل التدخل الدفاعي (قطع أو اعتراض الكرة)، وهو معدل يُعد مرتفعاً نسبياً، ويعكس ضغطاً متقدماً لاسيما في الشوط الثاني، حيث انخفض المؤشر إلى (5.4)، وتحديداً بين الدقيقتين (46 و75) حين بلغ (3.1)، ما يدل على أسلوب دفاعي شرس لكتيبة أبو جزر التي طبقت الضغط العالي (High Press) وقد ساعدها في استرجاع الكرة بسرعة.

في المقابل، اعتمد منتخبنا على الضغط المنخفض والتراجع، خصوصاً بعد الدقيقة (45)، ما أضعف من قدرته على استرجاع الكرة مبكراً. وكان هذا واضحاً في معدل (PPDA) خلال الشوط الثاني، الذي بلغ (22.7)، أي أنَّ لاعبينا كانوا يسمحون للفلسطينيين بتمرير (22) كرة قبل أي تدخل، وشهدت الفترة ما بين (60 ـ 46) أسوأ معدل، إذ مرّر المنافس (66) تمريرة مقابل إجراء دفاعي من منتخبنا وهو مؤشر كارثي مكّن الآخر من بناء اللعب براحة كاملة.


2. الاستحواذ على الكرة 

(Ball Possession)

يعكس هذا المعيار نسب السيطرة على الكرة خلال مجريات اللقاء، حيث تفوق منتخبنا في الشوط الأول، وبلغت نسبة استحواذه (66 %) خلال أول ربع ساعة، ما عكس نية هجومية وبداية قوية.

لكن مع مرور الوقت، وتحديداً في الشوط الثاني، انقلبت الأمور وبلغ استحواذ فلسطين ذروته بنسبة (72 %) بين الدقيقتين (46 و60)، وهو ما ساعدهم على فرض إيقاعهم الهجومي وقلب النتيجة أي نسبة استحواذ منتخبنا في الشوط الثاني، فلم تتجاوز (34 %) قياساً بالأول، إذ بلغت نحو (56 %). 


3. معدل الهجمات لكل دقيقة (Attacks Per Minute)

هذا المؤشر يقيس كثافة الهجوم خلال فترات زمنية محددة.

فإذا تجاوز المعدل (0.60)، فهذا يعني وجود أسلوب هجومي سريع، بين (0.40 – 0.59) يدل على توازن بين الهجوم والاستحواذ، أما أقل من (0.40)، فيعكس أسلوباً متحفظاً أو بطئاً في البناء.

لذا كان معدل هجمات منتخبنا في المباراة بلغ (0.39)، ما يدل على أنَّ كتيبة كاساس بدأت اللقاء بنشاط هجومي متحفظ، لكن الأداء تراجع تدريجياً في الشوط الثاني، بينما، ارتفع معدل الهجمات لدى المنتخب الفلسطيني، وبلغ ذروته في آخر ربع ساعة لنسبة (0.79) وهو دليل على اتباعه أسلوباً هجومياً خاطفاً، أسهم في تسجيل هدفي الفوز.


4. نسبة التمريرات الطويلة 

(Long Pass Share %)

بلغت أعلى نسبة للتمريرات الطويلة لمنتخبنا (47 %) في آخر ربع ساعة من اللقاء، مقارنة بنسبة (13 %) في الشوط الأول، ما يعكس تحولاً نحو اللعب المباشر والكرات العالية، بسبب فقدان السيطرة في الوسط، في المقابل، حافظ المنتخب الفلسطيني على أسلوب لعب ثابت ومنظم، بنسب تمريرات طويلة منخفضة بلغت (14 %) في الشوط الأول و(11 %) في الثاني، ما يعكس أسلوب مدربهم إيهاب أبو جزر الذي ركز على التمرير الأرضي والبناء المنظم من الخلف.


خلاصة:


خسارة منتخبنا أمام فلسطين لم تكن نتيجة سوء طالع، بل تراكم أخطاء فنية وتكتيكية واضحة، بل دلت على أنَّ كاساس كانت لديه معرفة بأساليب اللعب، لكنه يفتقر إلى الخبرات التراكمية في قيادة المباريات والتعامل مع المواقف المتغيرة التي تحدث داخلها وهذه الجزئية المفصلية قد أثرت في قدرته على اتخاذ القرارات السريعة أثناء المباريات، وربما انعكست سلباً على البعض من أشواطها الأولى على غرار تعديل النهج التكتيكي، أو حتى توظيف اللاعبين والبدلاء بالشكل الأمثل، ما دفعه إلى توسيع طاقمه التدريبي إلى ستة مساعدين طلباً للمشورة والدعم الفني وعليه تصبح الإقالة أمراً طبيعياً في ظل رؤية لم تواكب مجريات المقابلات لاسيما الحاسمة.