اكتشافٌ مثيرٌ يُغيِّرُ قصَّة السينما في العراق

ثقافة 2025/04/14
...

علي حمود الحسن    

لم يتبقَّ من مجموع أكثر من 80 دار عرض سينمائية في مدينة بغداد وباقي المحافظات سوى أربع أو خمس، تكابد من أجل البقاء، وهي: "غرناطة"، و"الخيام" (معروضة للبيع مع أجهزتها)، و"سميراميس"، و"أطلس"، و"الزوراء"، التي صممها المهندس نعمان منيب المتولي، وتحفة المعماري المؤسس مدحت علي مظلوم "سينما قدري" في العلاوي. هذه السينمات كانت أيقونات يرتادها العراقيون ويستمتعون بأفلامها وطقوس زيارتها، ومعظمها شُيِّد وفق طُرز معمارية باذخة أسهم في تصميمها معماريون عراقيون معروفون وأجانب، ونفذها "أسطوات" بمواد محلية.

عرف العراقيون السينما مبكرًا وتهافتوا على مشاهدة أفلامها، وكان الاعتقاد الشائع أن أول عرض سينمائي شاهده البغداديون يوم الأحد 26 تموز 1909 وسط دار الشفاء الواقع في كرخ بغداد. وبحسب كُتيب "السينما في العراق" لأحمد فياض المفرجي، الذي يُعد مرجعًا معتبرًا لتاريخ السينما في بلادنا، فإنه لا أحد يعرف "من الذي جاء بهذه الأفلام أو 'الألعاب' كما وُصفت من قبل تلك الجُمهرة المبهورة من البغداديين الذين شاهدوها".

حدد المفرجي، اعتمادًا على إعلان نُشر في جريدة بغدادية صادرة في أيلول 1911، البستان الملاصق بالعباخانة (قريبًا من ساحة الوثبة) كأول دار عرض سينمائية، إذ عُرض فيها "أول تمثيل بالسينماتوغراف في يوم الثلاثاء الساعة الواحدة والنصف"، هذا العرض نظمه تاجر مكائن يدعى بلوكي، فسمِّيت السينما باسمه.

إلا أن كتابًا صدر عن دار الحكمة في العام 2015 بعنوان "شذرات بغدادية" للباحث الدكتور خالد السعدون أتى برواية مختلفة، وفك طِلسم سؤال لم يُجب عليه أحد: من أول من جاء بالسينماتوغراف إلى بغداد؟ إذ أورد السعدون في "شذراته" أن أول عرض سينمائي، بموجب وثائق القنصلية، كان في تشرين الثاني 1908، على يدي مواطن أميركي من أصل يوناني يدعى "ميشيل مانتريس"، الذي وصل مع آلة عرضه، وبدأ بتقديم عروضه للجمهور، وعدّ القنصل هذا النشاط مفيدًا "لأنه يؤدي إلى زيادة الاهتمام بالشأن الأميركي في هذه المنطقة، التي كانت عمليًا لا تعرف شيئًا عن الولايات المتحدة ومنتجاتها".

وبحسب ما جاء في عرض الكاتب خليل علي حيدر في صحيفة "الأيام البحرانية" لكتاب "شذرات بغدادية"، فإن خطوة الأميركي اليوناني "مانتريس" فتحت الطريق لوصول آلة عرض أخرى استوردتها شركة أجنبية عاملة في بغداد. وقد رد نائب القنصل الأميركي على أحد الاستفسارات في تموز 1914 أن آلة العرض الوحيدة الموجودة في بغداد تملكها شركة "بلوكي وكري" (Blockey, Cree and Co)، التي تُعرض فيها الأفلام للجمهور كل ليلة، وأضاف القنصل أن مؤسسة "جوزيف عيسى وشركاه" طلبت مؤخرًا آلتين أخريين من أوروبا، كان من المتوقع حينها وصولهما إلى بغداد خلال عدة أيام.

بعد هذه العروض، تأسست دور عرض سينمائية في أوائل القرن، منها - بالإضافة إلى "بلوكي" - سينما "عيسائي"، و"العراقي"، و"أولمبيا"، و"السنترال".. هذه المعلومة - التي وإن جاءت متأخرة - إلا أنها ستصحح تاريخ دخول السينما إلى العراق، المختلف عليه!