بيروت: جبار عودة الخطاط
في ظرف بالغ التعقيد وفي ظل التغييرات الكبيرة التي عصفت بلبنان والمنطقة، وعلى وقع المفاوضات التي تعقد في عُمان بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وفي خضم اعتداءات صهيونية يومية على جنوبهم المثخن بالجراح؛ أحيا اللبنانيون أمس الأحد، الـ 13 من نيسان، ذكرى انطلاق الشرارة الأولى للحرب الأهلية الطاحنة في لبنان التي استمرت 15 عاما، وبلغت خسائرها البشرية نحو 150 ألف قتيل.
وتأتي هذه الذكرى هذا العام وسط مشهدية لبنانية تحاول فيها "بلاد الأرز" تضميد جراحها من جراء الحرب المؤلمة مع كيان الاحتلال الصهيوني، ووسط تصاعد السجالات السياسية بين الفرقاء السياسيين في البلاد حيال ملفات خلافية عديدة، لن يكون ملف (حصر السلاح بيد الدولة) آخرها، إذ طالب المعنيون بتغليب لغة الحوار على السجالات العنيفة؛ مذكرين بالسجالات التحريضية التي لبست جلبابًا طائفيًا مقيتًا، والتي انعكست في الفترة التي سبقت الحرب الأهلية بشكل قاتل على الواقع المأزوم، وتدحرجت حينها لتدخل في أتون حرب أهلية طويلة وكارثية.
واندلعت الشرارة الأولى للحرب يوم الـ 13 من نيسان 1975، حينما أطلق مجهولون النار على مرافق رئيس "حزب الكتائب" بيار جميل وشخص آخر معه وأردوهما قتيلين، وعلى إثر ذلك قام "حزب الكتائب" باستهداف حافلة كانت تقل فلسطينيين في طريق عودتهم إلى مخيم تل الزعتر في مخيم شاتيلا غربي العاصمة بيروت، ما أدى إلى مقتل أكثر من 25 فلسطينيا، وهو ما عُرف بـ"حادثة البوسطة"، الذي تسبب بإطلاق الاشتباكات على نحو واسع ومدمر.
ويحرص الحكماء اليوم على الإفادة من دروس تلك الحرب القاتلة وتغليب لغة الحوار على دوي السلاح والقتل، حيث وجه الرئيس اللبناني جوزاف عون رسالة إلى اللبنانيين بمناسبة مرور 50 عاماً على أحداث الـ "13 من نيسان 1975"، قال فيها: "اليوم، بعد نصف قرن على تلك المأساة التي ولّدت مآسي أخرى، أتيت لأقول لإخوتي اللبنانيين: من واجبنا أن نكون قد تعلّمنا من الخمسين سنة الفائتة، وأول الدروس التي تعلّمناها هو أن العنف والحقد لا يحلّان أي مشكلة في لبنان، وأن حوارنا وحده كفيلٌ بتحقيق كل الحلول لمشاكلنا الداخلية والنظامية، فهذا وطن يتمتع بثوابت، وأولها أن لا أحد يُلغي الآخر فيه".
بدوره، قال رئيس الحكومة نواف سلام: "في الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب اللبنانية، نقف اليوم لا لنفتح جراحًا، بل لنسترجع دروسا يجب ألا تنسى. كل الانتصارات كانت زائفة، وكل الأطراف خرجت خاسرة مهما تباينت الآراء حول أسباب الحرب، فهي تتقاطع عند مسألة غياب الدولة أو عجزها. لا دولة حقيقية إلا في احتكار القوات المسلحة الشرعية للسلاح. فلنطبق بنود الطائف بالكامل، ونصوّب ما طبق خلافا لروحه ونسد ثغراته".
أما البطريرك الماروني الكاردينال، مار بشارة بطرس الراعي، فأشار في عظته خلال قداس أحد الشعانين في بكركي، إلى أنّ "تاريخ 13 نيسان 2025، يصادف مرور خمسين سنة على اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، وهي الحرب التي مزّقت حياة اللبنانيين وطفولتهم وشبابهم، وشوّهت علاقاتهم بلبنان وببعضهم البعض". ورأى أن "لبنان طوى صفحة الحرب الأهلية، وهو اليوم يطوي صفحة الخروج عن الشرعية ومحاربتها"، على حد تعبيره.
ورأى رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، في بيان له أمس، أن "الذكرى الخمسين على اندلاع الحرب الأهليّة المشؤومة تحل ولا يزال بلدنا يعاني من حروب عبثية وأزمات مفتوحة واعتداءات صهيونية يومية. اليوم كلنا مدعوون لأخذ الدرس من تلك الحرب التي دمرت بلدنا وأودت بحياة خيرة شبابنا، بأن نخرج من عقلية الميليشيا إلى رحاب الدولة"، بحسب قوله.
المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، جينين هينيس بلاسخارت، أكدت أنها تابعت مأساة الحرب الأهلية من بعيد، لكنها ترى اليوم، من موقعها في بيروت، آثار الدمار الذي خلّفته تلك المرحلة، مشيرة في المقابل إلى أن "المدينة تمثل شاهدًا حيًا على الإرث العريق للبنان في التسامح والتعايش"، معتبرة "أن هذا هو الإرث الذي سيدوم" .
من جهته، شدد السيد علي فضل الله، على أهمية التعلّم من مآسي الحرب، داعيًا إلى الابتعاد عن الخطاب الطائفي والتحريضي والإقصائي، وإلى رفض الرهان على الخارج. وأكد أن "لبنان لا يُبنى إلا بتعاون جميع طوائفه ووقوفها صفًا واحدًا لمواجهة التحديات".