لماذا يكره ترامب الصين

آراء 2025/04/15
...

   د. صادق كاظم

 

يريد الرئيس الامريكي الذي عاد إلى البيت الابيض مرة اخرى ان يحكم العالم على طريقته مستغلا قوة امريكا وهيبتها وهيمنتها على التجارة العالمية. هناك صداع مستمر لأمريكا اسمه الصين، التي اكتسحت التجارة مع العالم واغرقته ببضائعها ومنتجاتها التي اتاحت لها ان تتحول إلى اقتصاد عملاق يهدد بالمنافسة اقتصاديات امريكا واوروبا، بل ويتفوق عليهما وهو سر المعجزة الصينية، التي تحولت من دولة فقيرة وضعيفة في الماضي تحاصرها الأيديولوجيات والصراعات بين القادة السياسيين، إلى دولة كبيرة تهيمن على ثلثي الاقتصاد العالمي مع فوائض مالية خرافية تقدر بآلاف المليارات. امريكا التي تقود العالم اقتصادا وسياسة وفنا وعلما، وجدت في الصعود الصيني وعملقته تهديدا وجوديا لمكانتها ونفوذها، ولهذا حاول الرؤساء الامريكيون في السابق وبالذات منذ عهد رونالد ريغان وضع حد لذلك عبر فرض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، من اجل حماية المنتجات الامريكية من المنافسة الصينية ولمنع اغراق السوق بالبضائع الرخيصة التي تنتجها الصين، لكن ذلك لم يكن كافيا، حيث حدث التحول الاقتصادي عند نهاية القرن الماضي، عندما تحولت المنافسة الامريكية – الصينية إلى شراكات عندما اخذت الشركات الامريكية تستعين بالصينية لإنتاج مكونات واجزاء دقيقة لصناعاتها لرخص ثمنها ولتوفرها في الصين حصريا وهو ما حقق فائدة مزدوجة لكلا الطرفين، لكن ذلك انعكس سلبا على قطاع العمل الامريكي، الذي انكمش نتيجة لتراجع قطاع سوق الاعمال لبعض المنتجات وهو امر طبيعي وليس مضرا، لكنه ادى بالمقابل إلى انخفاض اسعار السلع وتمكن قطاعات كبيرة من الامريكيين من الحصول على المنتجات من السيارات واجهزة الهواتف والحواسيب والمواد الاخرى بأسعار تفضيلية قياسا فيما لو كانت منتجة من قبل الشركات الامريكية وعلى ارضها. هذه الشراكات توسعت لاحقا لتشمل تشغيل مشاريع عملاقة خارج الولايات المتحدة من موانئ ومطارات، والاستحواذ على العديد من الاسواق العالمية بفضل هذه الشراكات. الرئيس الامريكي ترامب الزعيم الشعبوي والمهووس بالمنافسة الصينية استغل ارتفاع نسبة البطالة هذه، ليطرح شعار الغاء العولمة الاقتصادية، التي تقوم عليها الشراكة التجارية، ويطرح بديلا عنها بالحنين والعودة إلى العصر الذهبي، من خلال خفض ميزان العجز بين واشنطن وبكين الذي يميل لصالح الاخيرة من خلال فرض تعرفة جمركية عالية، تصل إلى حوالي 120 بالمئة مما سيعني ارتفاع اسعار المنتجات الصينية في الاسواق الامريكية، بنسب عالية مما سيؤدي إلى كسادها وعزوف المشترين عنها وهي خطة قديمة اعاد ترامب العمل بها مجددا، لكنه ايضا عاقب دولا صغيرة اخرى كانت تورد منتجاتها البسيطة إلى امريكا كنوع من الدعم لها، حيث اعتبرها بانها نهب منظم لبلاده. ان قرار ترامب المفاجئ هو في الواقع يضر بالشركات الامريكية، التي ستحرم من  الحصول على  المواد اللازمة لصناعة منتجات التقنيات العالية كالمعدات الطبية والادوية والاجهزة الخاصة بتشغيل المفاعلات النووية وغيرها، فضلا عن المعادن النادرة التي تُهيمن الصين عليها وربما سيدفعها لإقامة تحالف اقتصادي مع الدول المتضررة للتعويض عن العقوبات الامريكية التي تستهدفها وهو امر ليس بصالح الولايات المتحدة ولا ترغب به، بل إنها باتت تلاحق أية دول توافق على القبول بالمشاريع الصينية الضخمة لتطويرها مثل طريق الحرير، الذي هددت ادارة ترامب اية دولة في العالم توافق عليه بالرغم من السخاء الصيني لها. إن كراهية ترامب للصينيين ودخوله في صراع اقتصادي ضدهم، انما يعكس القلق الواضح من تنامي هذا الدور، ورغبة العقلية السياسية الامريكية بان الصعود الصيني المزاحم لها انما يستهدف تقويض الزعامة الامريكية للعالم ويهدد احتكارها لمصادر القوة والثراء ورغبتها في استمرار هذا الدور حتى ولو ادى إلى تهديد الاقتصاد العالمي وانهياره، فواشنطن ما زالت عاجزة عن استيعاب حقيقة ان دولة مثل الصين كانت حتى ثمانينات القرن الماضي مجرد دولة ضعيفة اقتصاديا، ودخلها العام لا يصل إلى 2 مليار دولار في وقت اصبحت اليوم تملك فائضا من الاموال، يصل إلى حوالي 5000 مليار دولار، وتغزو بمنتجاتها اسواقها وتحقق ارباحا خيالية منها. من المؤكد ان خطة ترامب العشوائية والعاطفية لن تنجح، ولن يستطيع اعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وربما سيقبل بصفقة لمقايضة الصينين لمواردهم بتخفيض اسعارها مقابل خفض الرسوم عليهم بنسبة قليلة أو أي حل آخر ينهي هذه الأزمة ويريح العالم من قرارات ترامب المفاجئة وتقلباته الغريبة.