حلل.. عيني.. حلل

الصفحة الاخيرة 2025/04/15
...

د. علاء هادي الحطاب 


تُعرف عملية التحليل سواء التحليل السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي او غيرها من عمليات التحليل بأنّها في الأصل عملية دراسة وفهم، وعندما يعرف المختصّون مفهوم التحليل فإنّهم يؤكدون على قاسمٍ مشتركٍ في تعريفاتهم وهو أنَّ عملية التحليل تسبقها دراسة متعددة الجوانب للقضية المراد تحليلها؛ لذا تعدُّ عملية التحليل عمليَّة علميَّة بالدرجة الأساس، فهي ليستْ موهبةً أو تنجيمًا، بل هي صيرورة أكاديمية أخذ المشتغل عليها وقتًا من الدراسة والبحث والفهم لجميع متعلقات القضية محل التحليل لفهم واستشراف مستقبل مساراتها.

التحليل السياسي لا يختلف كثيرا من حيث منهجيَّة تعريف وفهم معنى مفهوم التحليل بشكلٍ عام، لكن له مساراته التي يجب توافرها حتى ينطبق على صيغة الطرح بأنَّه تحليلٌ سياسيّ، ففضلًا عن كونه عملية دراسة وفهم الأحداث والقرارات السياسيَّة، كذلك لا بدَّ من توفر عناصر التحليل السياسي وأدواته، يسبقها فهم للمدارس السياسيَّة وطبيعة العلاقات والمصالح والسلوك السياسي للأحزاب والحركات، الأمر يختلف في ما اذا كان التحليل السياسي يبحث في قضية داخليَّة أو خارجيَّة، بين أحزاب وأشخاص، أو بين مؤسسات ودول، فلكل واقعة عناصر وأدوات لا بدَّ من توافرها في سبيل الوصول الى عملية فهم واستشراف مستقبل القضية مدار البحث، كون كشف الدوافع، المصالح، القوى الفاعلة، والنتائج المحتملة للسياسات أو القرارات أو الظواهر السياسيَّة هي جزءٌ من أهداف التحليل السياسي.

ما لفت انتباهي وأنا أتابع المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة الامريكيَّة والجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة، أن كثيرًا من المواطنين على مختلف مستوياتهم العلميَّة وتنوع اختصاصاتهم غير السياسيَّة، أنهم يحللون ما يجري ويقدمون فهمًا معينًا لمسار المفاوضات، بل ويستشرفون مستقبلها، طبعًا بطريقة "السوالف" أو التنجيم أو على طريقة "اضرب بالتخت رمل" بل إنَّ بعضهم يُحلّل ما يجري وكأنّه يمتلك معلومات بالغة السريَّة لا يعرفها غيره سوى "عراقجي وويتكوف". 

والحقيقة أنَّ ما يجري ليست تحليلات بل مجرد انحيازات يقوم أصحابها بمحاولة تصدير تحليل وفقًا لانحيازاتهم لهذا الطرف أو ذاك، والمشكلة أنّ الشعبويَّة في قراءة الأحداث هي من تجد طريقها الى ذائقة الجمهور لا التحليل والدراسة السياسيَّة الاكاديميَّة العلميَّة، ومن هذا المنطلق أصبح الكثير منا يُحلّل على طريقة حلل… عيني… حلل.