قراءةٌ في كتاب {الأجندة النيوليبراليَّة}

ثقافة 2025/04/15
...

 عدنان الفضلي

 تصوير: نهاد العزاوي


تعدُّ أحداث العام 2003 والمتمثلة بالغزو الأميركي للعراق وتداعيات ما حدث بعدها من متغيراتٍ أثّرت في المجتمع العراقي، وفي الساحات المجاورة للعراق، مادة دسمة للمحللين والباحثين والكتّاب في مختلف دول العالم، حيث ورغم مرور أكثر من عشرين عاماً على ذلك الحدث، ما زال كثيرٌ من الباحثين يصدرون كتبهم ودراساتِهم المتعلقة بهذا الشأن.

مؤخراً وعن دار المأمون للترجمة والنشر صدر كتابٌ مهمٌ بعنوان (الأجندة النيوليبراليَّة لغزو العراق) لمؤلفه (كريس دوران) والذي قامت بترجمته (رغد قاسم) وهذا الكتاب وبعد نزوله مباشرة أثار ضجَّة كبيرة، كونه رسم تأويلاتٍ مختلفة لحقيقة هذا الغزو، كما أنَّه ترك إضاءاتٍ جديدة، صارت مثارَ نقاشات طويلة بين المثقفين والسياسيين العراقيين، بل وصار الحديث عن الكتاب منتشراً في المقاهي والمنتديات الثقافيَّة العراقيَّة.

في كلمة للناشر (دار المأمون) كانت هناك العديد من الأسئلة المتعلقة بهذا الغزو الذي قلب كثيراً من الموازين في العراق والدول المحيطة به، إذ ورد ما نصُّه "لا شكّ أنَّ احتلال العراق في 2003 قد حدَّدَ معالم العقد الأول من القرن العشرين، ولا شكّ أنَّ التساؤلات لمعرفة ما حدث في الحرب نفسها، وقبلها، وما تبع ذلك من فوضى وصراعاتٍ داخليَّة وإقليميَّة على حد سواء بقيت بلا إجابة، فهل كانت سياسة الدولة العظمى مجدية وقابلة للفهم؟ وما الغرض الفعلي لاستخدام القوة العسكريَّة؟ وهل بالإمكان تفسير الحرب من منظور سياسات فرديَّة؟ أو أنَّ ما حدث فعلاً كان من أجل النفط؟".

في هذا الكتاب نجد أنَّ الكاتب يجنح الى الدفاع عن العراق في ما فعلته أميركا به وبشعبه، وأنَّ تلك الحرب لم تبدأ في العام 2003 بل سبق ذلك ما حصل عام 1991 في الكويت حيث يقول "لم يكن غزو 2003 بداية حربٍ على العراق، ولكنَّه استمرارٌ طويلٌ لحربٍ بدأت منذ غزو العراق للكويت عام 1990 عندما مرَّرَ مجلس الأمن الدولي بقيادة الولايات المتحدة قرار الأمم المتحدة رقم 687 الذي فرض عقوباتٍ اقتصاديَّة على العراق. على الرغم من طرد الولايات المتحدة وحلفائها العراق من الكويت، فإنَّ العقوبات ظلت سارية المفعول لمدة ثلاثة عشر عامًا.  

رسمياً كانت العقوبات قد وضعت لضمان تخلّص العراق من برامج أسلحة الدمار الشامل، لكنَّها كانت في واقع الأمر تهدفُ لفتح فرصٍ جديدة لأجندة السوق الحرة النيوليبراليَّة من خلال السيطرة على العراق".

في الفصل الأول من الكتاب والذي جاء بعنوان (مقدمة لفهم العراق) يضعنا المؤلف قبالة تسويغاتٍ عديدة وضعتها الأجندة النيوليبراليَّة لهذا الغزو الذي يعدّه البعض طريقة مبتكرة للهيمنة على النفط والدولار الذي لن يكون متحققاً من دون السيطرة تماماً على العراق، بينما تأتي جزئيَّة أخرى ضمن التسويغات تؤكد على كون الغزو جاء لمنع التهديد المحتمل من العراق للمملكة العربيَّة السعوديَّة، لكنَّ الحقيقة التي يمكن تلقيها من بعض ما ورد في هذا الفصل هو: أنَّ هذا الغزو جاء لتوسيع الإمبراطوريَّة الأميركيَّة وإنشاء منطقة تجارة حرّة نيوليبراليَّة في الشرق الأوسط مع مبتغياتٍ أخرى تمنع العراق من أنْ يكون القوة الأكبر في الشرق الأوسط.

وفي هذا الفصل نقرأ كثيراً من التحليلات على شاكلة ما ورد في الصفحة (12) والتي جاء فيها "لقد كان حافز الغزو الذي قادته الولايات المتحدة والاحتلال للعراق في آذار 2003 هو القضاء على تهديد العراق للهيمنة الاقتصاديَّة الأميركيَّة، في حال انتهاء العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة عليه. هذهِ الهيمنة القائمة على ديون العالم الثالث وفساد السوق حيث تريليونات الدولارات تغادر العالم الثالث إلى العالم الأول عبر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالميَّة واتفاقيات التجارة الحرة. عراق مستقل وحر قادر على استخراج نفطه بنفسه سيشكل تحديًا كامنًا للتمويل السعودي للاقتصاد الأمريكي، وتحدياً مباشراً لقابليَّة السعوديَّة على خدمة مصالح الأمريكان في هيمنتهم على سوق إنتاج النفط". 

وفي هذا الفصل نقرأ ما نصّه "تركيز بريمر وسلطة التحالف المؤقتة على إنشاء أول اقتصاد سوق حرة نيوليبراليَّة في الشرق الأوسط عبر "إصلاح اقتصادي شامل" يعني أنَّ الغزو كان اقتصادياً، وهو فرصة لمستثمري الولايات المتحدة وحلفائها، وأهم من الاحتياجات الإنسانيَّة العاجلة للشعب العراقي. كان هذا واضحاً بشكلٍ صارخٍ للعراقيين عندما أعطى الجيش الأمريكي الأولويَّة لحماية وزارة النفط بينما تمَّ نهب التراث الثقافي 

العراقي".

الكتاب في فصوله الثلاثين توسع في شرح السياسة الجديدة المسماة "النيوليبراليَّة" وقدم كثيراً من الأدلة التي تثبت تورط هذه السياسة في إراقة الدم العراقي وتحطيم بلد يسمى العراق، عبر كثيرٍ من الطروحات والاستنتاجات المقنعة التي لا يمكن حصرها في هذا العرض المبسط للكتاب، لكنَّه وفي فصله الأخير خلص الى أنَّ غزو العراق كان لضمان استمرار الهيمنة النيوليبراليَّة الأمريكيَّة.