العراقيون يحيون الذكرى الـ37 لجريمة الأنفال

الثانية والثالثة 2025/04/15
...

 بغداد : الصباح

 السليمانية : حسن جوان


أحيا العراقيون بمشاعر الألم والحزن أمس الاثنين، مرور 37 عاماً على جريمة الأنفال التي ارتكبها النظام المباد بحق أبناء شعبنا في إقليم كردستان، ودعت رئاسة الجمهورية، مجلس النواب لإقرار قانون لتعويض ذوي ضحايا الأنفال مادياً ومعنوياً.

وذكرت رئاسة الجمهورية في بيان تلقته "الصباح"، أن "ذكرى جريمة الأنفال من الجرائم البشعة التي ارتكبها النظام المباد بحقِّ الشعب الكردي، والتي أدّت  إلى استشهاد أكثر من 180 ألف إنسان من الأطفال والشباب والشيوخ"، مؤكدة على "الإدانة الشديدة لهذه الجريمة النكراء واعتبارها من جرائم الإبادة الجماعية".

وأضافت: "نستذكر بآلام بالغة تلك الأرواح الطاهرة، ونؤمن بأن دماء الشهداء هي الأعمدة الأساسية لبناء نظامنا الديمقراطي"، داعية مجلس النواب  إلى "إقرار قانون لتعويض ذوي ضحايا الأنفال مادياً ومعنوياً".

وأكدت رئاسة الجمهورية، على "ضرورة الاعتراف بجريمة الأنفال كجريمة دولية من جرائم الإبادة الجماعية وأهمية قيام ممثليتنا الدائمة لدى الأمم المتحدة ببذل الجهود اللازمة لاعتماد هذه الجريمة ضمن الجرائم الدولية للإبادة الجماعية، وإقرارها رسمياً من قبل الأمم المتحدة"، مبينة أن "النظام الديمقراطي الاتحادي النيابي في العراق يُعدُّ نموذجاً متميزاً في المنطقة، ومصدر فخرٍ واعتزاز لجميع أبناء الشعب العراقي".

وذكرت، أن "العراقيين جميعاً عانوا من ويلات النظام الدكتاتوري، الذي لم يكن خطراً على دول الجوار والسلام الإقليمي فحسب، بل كان تهديداً مباشراً لأبناء الشعب العراقي"، داعية "أبناء الشعب العراقي عرباً وكرداً وشيعة وسنة ومسيحيين وتركمان، وسائر المكونات الأخرى  إلى التوحُّد والتمسُّك بنظامنا الديمقراطي، الذي يضمن السلام والعدالة والعيش المشترك بين جميع مكونات المجتمع العراقي".


كلمة الحكومة

رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أكد أن حملات الأنفال، كشفت جريمة النظام السابق وعنصريته بحق الشعب الكردي.

وقال السوداني في تغريدة على منصة "X"، وتابعتها "الصباح":  "يستذكر العراقيون بألمٍ، جريمة النظام المُباد في (حملات الأنفال) السيئة الصيت، والمجازر الوحشية التي ارتكبت فيها، ضدّ أبناء شعبنا الكرديّ قبل 37 عاماً". وتابع: "كشفت تلك الجريمة، بما تحمله من بشاعة، وجه النظام بقبحه وعنصريته إزاء شعبنا وقواه الوطنية".

وأضاف، "اليوم ينتصر الإخاء والتعايش السلمي على كل دوافع الكراهية، التي حاول البعث الصدّامي زرعها بين شرائح شعبنا وأطيافه المتنوّعة، وانتهى الطغيان  إلى ظلمات التاريخ، بينما يواصل العراقيون معاً مسيرة البناء والتنمية، وإعلاء شأن العراق الموحَّد الآمن المستقر، الرحمة والمغفرة لشهداء الأنفال وكل شهداء العراق".

من جانبه، أكّد النائب الأول لرئيس مجلس النواب، محسن المندلاوي، أن جريمة الأنفال التي ارتكبها النظام البعثي بحق أهلنا الكرد قبل 37 عاماً، لم تكن مجرد عملية عسكرية بل صفحة سوداء في تاريخ الطغيان والاستبداد، استخدمت فيها الأسلحة المحرمة دولياً لإبادة جماعية طالت الأبرياء، في مشهد لا يُنسى من الألم والخذلان.

وقال المندلاوي في بيان أمس الاثنين، بمناسبة استذكار الفاجعة: "ما حدث في الأنفال ليس مجرد ماضٍ مؤلم، بل مسؤولية أخلاقية ووطنية تفرض علينا توثيق الحقائق، والوقوف  إلى جانب الضحايا وذويهم، والعمل على تحقيق العدالة وردّ الاعتبار".

وشدّد، على أن "استعادة كرامة الضحايا لا تكتمل إلا بترسيخ قيم العدالة والمساواة، وبناء دولة تحترم تنوعها وتحمي جميع مكوناتها من أي تكرارٍ لتلك المآسي"، مؤكداً أن "مجلس النواب لن يدّخر جهداً في دعم كل مسعى قانوني وإنساني لتجريم تلك الجرائم أمام التاريخ والعالم".

مراسيم البرلمان

 إلى ذلك، وبرعاية نائب رئيس مجلس النواب د.شاخەوان عبدالله، أقام مجلس النواب، أمس الاثنين، مراسيم إحياء ذكرى مرور(37) عاماً على عمليات الأنفال السيئة الصيت ضد شعبنا الكردي التي بدأت عام 1988، بحضور السيدات والسادة النواب وعدد من الشخصيات السياسية والاجتماعية وجمع كبير من الصحفيين 

والمثقفين.

وألقى عبد الله، كلمة بهذه المناسبة الأليمة، أكد فيها على أن "الأنفال ووفقاً للمقاييس الدولية هي جرائم الإبادة الجماعية (الجينوسايد)، مع حملات الترحيل القسري وتدمير القرى والمدن بهدف التغيير الديموغرافي للمناطق الكردستانية وإخراج وتهجير وإبعاد الآلاف من المواطنين الأصلاء من مناطقهم، وأُخفيت جثامين الضحايا الطاهرة بمقابر جماعية في مناطق مختلفة كما حال أهلنا في الوسط والجنوب، وذنبهم أنهم لم يرتضوا بحكم الدكتاتور وأرادوا العيش بكرامة وحرية".

وأضاف: "كنواب ونمثل الشعب بمختلف مكوناته وأطيافه، علينا واجب أخلاقي وشرعي وقانوني ومطالبين أمام شعبنا بمنع عودة البعث أو أفكاره الشوفينية بالتشريعات والقوانين النافذة، ويجب على الحكومة الاتحادية الالتزام بواجباتها ومسؤولياتها القانونية والوطنية في تنفيذ العدالة وتعويض ذوي ضحايا عمليات الأنفال مادياً ومعنوياً ورفع الضرر والتخفيف من معاناتهم، والعمل الجاد على إعادة جثامين الضحايا وتسليمها  إلى ذويهم"، وأشار  إلى "ضرورة المحافظة على التجربة الديمقراطية في العراق وحماية المكتسبات الدستورية"، ودعا النواب إلى التصويت على مشروع قانون استحداث محافظة حلبچة.


السليمانية تستذكر

في غضون ذلك، أحيت مختلف الأوساط الثقافية والسياسية في أنحاء مدينةُ السليمانية الذكرى السابعةَ والثلاثين لفاجعةِ الأنفال التي نفذها النظام المقبور على ثماني مراحلَ دموية عامَ 1988 تحت مسمى "حملةُ الأنفال" والتي أسفرت عن استشهاد أكثرَ من 180 ألف مدني ٍ كردي وتهجير ِ مئاتِ القرى مستخدماً الأسلحةَ الكيميائيةَ في هجماتٍ مروعة.

وتعدُّ هذه الجريمة مما يندى له جبين الإنسانية ولا يقترب منها في ذكراها المأساوية سوى المقابر الجماعية التي ارتكبها النظام المباد في أنحاء العراق لاسيما في مدن الجنوب إثر انتفاضة الشعب العراقي مطلع التسعينيات من القرن الماضي، على أعقاب حملة غزو الكويت 

الغاشمة.

وترقى هذه العملية  إلى مستوى الإبادة الجماعية بحسب تقارير المنظمات الدولية التي أحصت وأثبتت حجم الدمار والانتهاكات التي جرت وقتها. وقد جاء في توصيف الحملة بأنها "بدأت حملة في العام 1986 واستمرّت حتى العام 1989، وكان على رأسها علي حسن المجيد ابن عم المقبور صدام حسين من مدينة تكريت مسقط رأس الأخير". وشملت حملة الأنفال استخدام الهجمات البرية والقصف الجوي والتدمير المنظم للمستوطنات والترحيل الجماعي وفرق الإعدام والحرب الكيمياوية التي جعلت المجيد يحصل على لقب (علي الكيمياوي).

قُتل آلاف المدنيين خلال الحملات المناهضة، وكانت الهجمات جزءاً من حملة طويلة دمّرت ما يقارب 4500 قرية كردية و31 قرية مسيحية آشورية على الأقل في مناطق شمال البلاد ونزوح ما لا يقل عن مليون من سكان البلاد البالغ عددهم 3.5 مليون نسمة. ولقد جمعت منظمة العفو الدولية أسماء أكثر من 17000 شخص اختفوا في عام 1988 وقد وُصفت الحملة بأنها "عمليات إبادة جماعية 

في طبيعتها."

ورَغمَ مرور ما يقربُ من أربعة ِ عقود، لا تزالُ الندوبُ النفسيةُ والاجتماعية حاضرةً في القرى الكردية التي دُمّرت وفي عيون ِ الناجين، وذاكرةِ الأجيالِ التي لم تشهد المجازر ولكنها وُلدت على أطلالِها.

ومع استمرار ِ المساعي المحليةِ والدولية لمحاسبةِ الجناة، تبقى جريمةُ الأنفال جرحاً مفتوحاً ورسالةَ تذكير ٍدائمة: بأن المَ شعبِنا الكردي لم يُمحَ من الذاكرة. ولن يُمحى.