محمد صالح صدقيان
لا زالت المفاوضات الإيرانيَّة الامريكيَّة الحدث الأول إقيليماً، بينما يهتمُّ الوسط الدولي بنتائج هذه المفاوضات ومآلاتها، حيث عقدت الجولة الأولی في 12 نيسان الحالي في العاصمة العمانيَّة مسقط ؛ بينما سعقد الجولة الثانية من هذه المفاوضات السبت 19 نيسان الحالي في ذات المكان باقتراحٍ أميركي وتنفيذ الوسيط العماني.
وفي هذا الإطار تطرحُ أسئلة بشأن مستقبل هذه المفاوضات والی أين ستنتهي؟.
يوم الثلاثاء الفائت وضع المرشد الإيراني الأعلی الإمام علي الخامنئي هذه المفاوضات في المكان الذي يجب أنْ توضع فيه محاولة منه لضبط إيقاعات الداخل الإيراني الذي انقسم علی نفسه بالتعاطي مع المفاوضات. وسطٌ يری أنَّ المفاوضات فخٌ تريدُ من خلاله الولايات المتحدة حصر إيران في زاوية كمقدمة للانقضاض علی النظام السياسي فيها كما حصل في عديد الحالات المشابهة خلال العقود الخمسة الماضية؛ وبالتالي فهي تنظر لهذه المفاوضات بنوعٍ من التشاؤم ومن نتائجها مستندة علی ذلك بنتائج المفاوضات التي أدت للاتفاق النووي عام 2015 والتي انسحب منها الرئيس ترامب في العام 2018 وفرض المزيد من العقوبات علی إيران. أما الوسط الآخر فإنَّه يعتقد أنَّ هذه المفاوضات كفيلة بإزالة العقوبات، لا سيما أنَّ الرئيس ترامب رحَّبَ بها، ولذلك يجب السير معها والتفاهم مع الولايات المتحدة لرفع العقوبات، وبذلك فهذا الوسط متفائلٌ جداً ويدعو للسير بهذا المسار من أجل تحسين الأوضاع الاقتصاديَّة من خلال إزالة العقوبات؛ لكنَّ المرشد الأعلی وضع الأمورَ في نصابها عندما دعا الی عدم المبالغة بالتفاؤل وكذلك عدم المبالغة بالتشاؤم ووضع المفاوضات في إطارها الطبيعي وعدم الرهان علی نتائج هذه المفاوضات من قبل الحكومة وأجهزتها التنفيذيَّة لأنَّ وضع جميع البيض في سلة نتائج المفاوضات كما حدث في حكومة الرئيس حسن روحاني يفقد الحكومة اتزانها في إدارة شؤون البلاد ويفقدها السيطرة علی تلبية استحقاقات العمل الحكومي في حل المشكلات وإيجاد البدائل المناسبة لمواجهة متطلبات المواطنين والخدمات التي يحتاجها البلد.
وفي هذا الإطار فإنَّ وضع مقارباتٍ نسبيَّة لتقييم المفاوضات يكمن في النقاط التالية خصوصاً بعد جولتين من هذه المفاوضات: أولاً؛ إنَّ دخول إيران في هذه المفاوضات يهدفُ الى رفع الحظر، وإذا رأت أنَّ هذه المفاوضات لن تحقق هدفها فلن تستمر ولن تدخل في المعادلات التي يريد ترامب رسمها؛ وهذا هو المزاج الموجود حالياً لدی القيادة الإيرانيَّة والحكومة الإيرانيَّة ومجلس الأمن القومي الذي يرسم السياسات الاستراتيجيَّة العامة للبلاد.
ثانياً؛ إنَّ الاجتماع الأول كان إيجابياً ومؤشراته بناءة، وما تمت مناقشته من موضوعات كان مشجعاً لجهة الوصول لاتفاقٍ يرفع العقوبات عن إيران ويزيل القلق عند الجانب الآخر من طبيعة البرنامج النووي.
ثالثاً؛ لا يمكن التكهن بنتائج هذه المفاوضات لغموض القرارات التي يتخذها الرئيس ترامب، وإنما نستطيع أنْ نقيم كل جولة وكل اجتماعٍ وما تفرزه من معطيات؛ لأنَّ هذه المفاوضات مرشحة للانهيار في كل يومٍ ولحظة بناءً علی توجهات الرئيس ترامب غير المحسوبة وغير المنتظرة.
رابعاً؛ جزءٌ كبيرٌ من مشكلة المفاوضات هو انعدام الثقة بين الجانبين على خلفيَّة التجارب السابقة وعدم التزام الجانب الأميركي بتعهداته في الاتفاق السابق؛ وهو ما أشار إليه المرشد الإيراني الأعلی عندما قال بعد الجولة الأولی إنَّ إيران لا تثق بالجانب الآخر لكنها تثق بقدرات المفاوض الإيراني في المفاوضات.
خامساً؛ إنَّ أي خطوة تتخذها طهران في هذه المفاوضات تكون حذرة ومحافظة ويسودها الشك والتردد؛ لأنَّ الآخر يتربصُ بها الدوائر.
سادساً؛ كل الاحتمالات حاضرة على طاولة المفاوضات، اتفاقٌ مرحلي، اتفاقٌ دائمٌ على مراحل، لا اتفاق، تفاهماتٌ مرحليَّة.. والأمر يتعلق بالأفكار التي تُطرح على الطاولة.
سابعاً؛ التحول من المفاوضات “غير المباشرة” لمفاوضات “مباشرة” يعتمدُ تعلی تعزيز الثقة عند الجانب الإيراني؛ لأنَّها تريد مفاوضاتٍ جادة للتوصل لاتفاقٍ يخدم مصالح الجانبين، وفي المقدمة إزالة الحظر الاقتصادي.
ثامناً؛ لغة التهديد يجب أنْ تحذفَ من السلوك الأميركي مع إيران؛ لأنَّها تُسبب انهيار المفاوضات، وأنَّ الداخل الإيراني لن يسمح للمفاوض بالجلوس على الطاولة في ظل تهديدٍ حتى وإنْ قبل المفاوض بذلك لسببٍ أو لآخر.
تاسعاً؛ ما وضعه المرشد الإيراني الإمام علي الخامنئي الأحد 13 نيسان الحالي أمام قادة القوات المسلحة “جهوزيَّة عسكريَّة.. ودبلوماسيَّة نشطة” تحمل الكثير من الدلالات للتعاطي مع المفاوضات ونتائجها.
عاشراً؛ القلق جادة ذات اتجاهين يجب أنْ يُزال في هذه المفاوضات إذا كان الجانبان يريدان التوصل لاتفاق.
حادي عشر؛ الحديث عن تنازلاتٍ في المفاوضات من هذا الجانب أو ذاك أمرٌ غير واقعيٍ بقدر ما تستدعي الحاجة لتعزيز الثقة أولاً وأخيراً من خلال اتخاذ قراراتٍ شجاعة للتوصل لاتفاق.
ثاني عشر؛ هذه المفاوضات هي ليست مفاوضاتٍ تعقد بعد حربٍ فيها خاسرٌ ورابحٌ ليملي الرابح شروطه على الخاسر. إنها مفاوضاتٌ جادة لا زالت إيران تشعر بأنَّها تملك الكثير من الأوراق التي تستطيع بناء اقتصادها ومواجهة التهديدات الخارجيَّة.
ثالث عشر؛ أما التلويح بالحرب فهذه قصة أخرى سيخسر فيها الرئيس ترامب كما خسر عند انسحابه من الاتفاق النووي الذي حدد عمليَّة تخصيب اليورانيوم عند مستوى أقل من 5 بالمئة، وبعد 7 سنوات يجلس ليفاوض إيران وهي تملك 275 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة.!
واستناداً لهذه المقاربات للنتائج المحتملة لا يبدو أنَّ المفاوضات تسير علی السجادة الحمراء وأنَّ تقييم النتائج يجب أنْ يكون علی تقييم مرحلة مرحلة وزنكه زنكه علی طول المسار التفاوضي.