غني محسن يُصغي إلى نداء {البلوة}

ثقافة شعبية 2019/07/12
...

سعد صاحب
الحرب حين تشتعل تخرّب أوطانا بكاملها، والحب حينما يهجم يعبث بالنفس الانسانية ويدمرها، الراس يشكو من الصداع، والروح من القلق، والقلب من سرعة النبض والحواس من التشويش. 
الاثنان وجهان لعملة واحدة والفرق في الاداة، الحرب اداتها الاسلحة، والحب في الضياء الذي تطلقه العيون، صوب القلوب الضعيفة فتأسرها في الحال. 
 
    أوراق ممزّقة 
يُعلن الشاعر بكل استسلام ودون مقاومة، عن هزيمته النكراء في الحب، مثل جيش مهزوم منكسر يرفع الراية البيضاء. فهو لا يستطيع ان يغير مسار القلب، بل يمشي بامرته كالذليل، يستطعم هذا الجو الخانق من الغبار والدخان والاتربة، ويستلذ بهذا الضياع المريب. الشاعر غريب ضائع لا يعرف الى اين تقوده الخطى، واصفا نفسه بأتعس ما يكون عليه العاشق المنهار، ولا ذلة تقابل ذلة الأوراق الممزقة، الملقاة ما بين المياه 
الجارية. 
( انه بدونك اروح الوين / غريب متيه الخطوه / انه بدونك اخذني الماي / مثل اوراق ما تسوه). 
 
نداء الروح
من طبع الجميل ان يكون متكبرا، ومهما ينادي القلب باسمه لا يستجيب، ولا يمنح العاشق فرصة اللقاء الاخيرة، ولا يصغي الى شكوى القلب المدمى، ومن يشتكي من حالة قاسية، له معاناته الخاصة من عشق سلبه 
الهناء. 
الصمت يعطي الى الشخص وقارا، والرجل الصامت اكثر هيبة من اللجوج، والانسان الذي ملئ صدره الكلام، لا بدّ ان يصيح، وكأنه يريد ان يحطم بصرخته جدارا لسكوت السميك، لعل الاخر المكابر يصغي الى نداء الروح قبل 
الموت.
( انادي بس بلا جدوى / اريدك تسمع الشكوى / وصحت بصوت بعدك بلوتي بلوه ). 
 
                   محاولة 
الشاعر مهزوم ضعيف امام الجمال، يحاول السيطرة على اعصابه المنهارة، ومن فرط التفكير والارهاق والمتاعب، يطمح بالتغلب على ما يشعر به من الاحباط والهم والحزن والبلوى، وكلما سعى الى التحسن والشفاء من داء العشق يخيب، ويكرر المحاولة اكثر من مرة بلا 
فائدة. 
لا يجد جوابا شافيا للسؤال المطروح عليه من قبل الاصدقاء، فالشوق يعصف به من كل الجهات، وخيال المحبوب يلاحقه في الطريق، وينزل عليه كصقر بمخالب كبيرة، يحمله الى بلاد من الاوجاع والهموم والمتاعب 
والمعاناة. 
الشاعر ما زال منفعلا بمحاسن الحبيب، لكنها لا تثير فيه السعادة، بل تزيد من الاسى والخوف والاحتراق والعذاب، وما جدوى الملامح الجميلة بلا محبة ولا احسان ولا 
تواضع. 
( احاول املك اعصابي / اذا سالوني اصحابي / خيالك يلعب بعمري / اذا تسالني عن امري ). 
 
 صراع 
النفس الصاعد والنازل حياة جديدة، وزهرة تفوح في كل المواسم، يا لهذا الحبيب المشاكس، يالهذا العالم الوهمي المفرط الشاعرية، يالهذا الخيال المطل على الروح بهيئات مختلفة. العشق صراع متواصل مع من نحب، علينا ان نرتضي به مهما كانت الخسائر، ومن الضرورة تكملة المشوار دون تراجع، ولا ننسى الانتصار في الود خسارة، والخسارة في الحب انتصار، وكل طامح يأخذ من الدنيا 
نصيبة. والوداد ليس بوداد، ما لم ترافقه الآثام والاخطاء والتضحيات والمشاق والمسرات والاماني. الدموع من اجمل اللغات الصامتة، والمبتلى بحبيب ظالم يبكي من الاخلاص والشوق والحنين والالم، ويبحث عن حجة للعويل والبكاء، وثمة فرق بين عيون دموعها لا تهز المشاعر، ودموع وهي في الجفون لها قداسة 
واجلال. 
( لكيتك بالنفس غافي / واخاف تحركك شفافي / دمعتي ما رحم بيهه / وادور فرصة وابجيهه / انادي بس بلا جدوى / اريدك تسمع الشكوى / وصحت بصوت / بعدك بلوتي 
بلوة).