جدليَّة الحب عند الفلاسفة

ثقافة 2025/04/17
...

  سوسن الجزراوي

لا يتوقف علم الفلسفة عن إغناء العالم بولادة العلماء، طالما كانت هنالك اهتماماتٌ يستهويها مكنون هذا القسم، المتبحر في جذور الإنسان ورؤيته ومعتقداته، وما يرسمه في ذهنه عن دوران كواكب النفس البشريَّة، حول العقل والقلب والوجود بشكلٍ عام .

فهنالك أجيالٌ متعاقبة من الفلاسفة حتى وإنْ كانت عجلة عقولنا غالباً ما تقف عند الثلاثة الكبار الذين أرسوا دعائم الفلسفة في حياتنا، ارسطو، سقراط، افلاطون.

ومع تطور هذا العلم الغائر في بحوث الإرهاصات الإنسانيَّة والمفاهيم والمبادئ التي يعتنقها الإنسان، ظهر ماديسون وبلاكستون وقبلهما كان ابن تيميَّة والغزالي وابن رشد والكثير غيرهم. 

وتناولت الفلسفة حيثياتٍ ورؤىً تعلقت بكل ما حولنا من الإشياء الملموسة والمحسوسة، فالحرب كانت من ضمن اهتمامات الفلاسفة، والدين والتاريخ وغيرها، ولربما كانت فلسفة الحب واحدة من أعظم وأهم ما توقف عنده الكثير منهم، وهذا يعود في الأساس، لكونه شعوراً لا يمكن وصفه في كثيرٍ من الأحيان، بل قد تعجز عن معرفة "وقوعه" وأسبابه، أقوى العقول ومهما حللت وتوغلت في العمق التكويني لتلك الأحاسيس الملتهبة، القادرة على أنْ تجعلك غير متوازنٍ وغير عقلاني وغير منطقي، وبعيداً عن نقطة ارتكاز القدم.

وتعود جذور الحوار "السقراطي" لاكتشاف ما نبحث عنه، وأقصد الحب، الذي يجعل الحياة جديرة بالاهتمام، ليس فقط بالحب "الايروسي" والذي يعرف بأنه عاطفة عميقة تتميز بالرغبة والشوق النفسي والجسدي، بل بجميع أشكاله الكلاسيكيَّة، حبُّ الجار، حبُّ الوطن، حبُّ الله، حبُّ الحياة، وحبُّ الحكمة، تعود إلى أزمنة تصارعت فيها القيم والمفاهيم.

وكان كريستوفر فيليبس هو أعظم تجسيدٍ حيٍ للروح السقراطيَّة في عصرنا الكارثي العبثي الذي تلاطمت فيه كل القيم والأفكار.

لقد غيّرت حركته الشعبيَّة العالميَّة "مقاهي سقراط" و"مقاهي الديمقراطيَّة" حياة ملايين الناس، وبلا شك إنَّ "فيليبس" طوال سلسلة لقاءاته في مقهى سقراط، كان يبحث عن الصدق. ويتجلى ذلك دائمًا في الطريقة التي يعرض بها المشاركون في نقاشاته آراءهم المتباينة حول هذا الموضوع.

وقد تباينت آراء الفلاسفة والكتّاب عن الحب، منطلقين كلٌ على وفق معاناته أو معايشته لهذا الشعور الملتهب، فالحب عند "شكسبير" هو الجحيم، والحب عند "ديكارت" هو الجنون، أما الحب، نشءٌ معقدٌ يصعب وصفه عند "ماركس"، وهو مصيبة على وفق رؤية "سارتر".

وتشير بعض الآراء الفلسفيَّة إلى أنَّ الاهتمام والانجذاب والتعاطف، وما إلى ذلك، التي نربطها عادةً بالحب ليست من مكوناته، بل هي آثاره الطبيعيَّة.

والحب بوصفه نزع سلاح دفاعاتنا العاطفيَّة بطريقة تجعلنا عرضة بشكلٍ خاصٍ للآخرين، هو الاستجابة القصوى الاختياريَّة لكرامة أولئك.

إذن ما الذي يُفسر انتقائيَّة الحب - لماذا أحب بعض الناس ولا أحب غيرهم؟ تكمن الإجابة في التوافق العرضي بين الطريقة التي يُعبر بها بعض الناس سلوكيًا عن كرامتهم كأشخاصٍ والطريقة التي أستجيب بها لتلك التعبيرات بأنْ أصبح عرضة عاطفيًا لهم، إنَّ التوافق الصحيح يجعل شخصًا ما "محبوبًا" بالنسبة لي واستجابتي بالحب في هذه الحالات هي مسألة "رؤية حقيقيَّة" لهذا الشخص بطريقة أفشل في القيام بها مع الآخرين الذين لا يناسبونني بهذه الطريقة! إنها فلسفة الحب وقناعات المحب.

هذا الفهم لانتقاء الحب كشيءٍ يمكن تفسيره من دون تبريره أمرٌ مُقلق، لأننا نعتقد عادة أنه يمكننا تبرير ليس فقط حبي لك بدلًا من شخصٍ آخر، ولكنْ أيضًا، والأهم من ذلك، ثبات حبي، استمرار حبي لك حتى مع تغيرك في جوانب جوهريَّة معينة "دون غيرها". وتبقى الرواية الفلسفيَّة خاضعة لتحليل العقل لمجريات دقات القلب هذا.