مليارات الدولارات من سوق الأسهم الأميركيَّة

اقتصادية 2019/07/12
...

واشنطن / نافع الفرطوسي
اختبار حاسم دفعت ثمنه الأسهم الأميركية نتيجة النزاعات التجارية التي أشعلها الرئيس دونالد ترامب في عدة اتجاهات، برغم المبيعات القياسية لتلك الأسواق، قابلته تدفقات مرتفعة لشراء سندات الخزانة للأسبوع السادس والعشرين على التوالي، وصدور تقرير الوظائف للشهر الماضي لكنَّ قطاع التصنيع الأميركي شهد تراجعاً، ما ولّد مخاوف من موجة ركود تلوح في الأفق، فالى أين يتجه الاقتصاد الأميركي الذي يقود العالم؟
 
موجة سحوبات
محللو “بنك أوف أميركا“، ذكروا أن موجة (سحوبات) سيطرت على السوق، إذ قام المستثمرون بسحب مبالغ وسيولة فاقت 15.1 مليار دولار من صناديق الأسهم، بعد مبيعات قاربت مستويات قياسية في الولايات المتحدة، لكن كان ذلك قُبيل انعقاد قمة مجموعة العشرين في أوساكا اليابانية مؤخراً، بينما ضخوا 6.3 مليارات دولار في السندات خلال 4 أيام تداول حتى قبيل عطلة الرابع من تموز الحالي (عيد الاستقلال الأميركي).
وتضمنت التدفقات الخارجة من الأسهم 10.9 مليارات دولار نزحت من صناديق المؤشرات، و4.2 مليارات دولار من الصناديق المشتركة، فيما تكبّدت الولايات المتحدة أكبر خسارة للسيولة بقيمة 13.8 مليار دولار.
وأسهم إعلان هدنة التجارة التي توصل إليها ترامب والرئيس الصيني شي وقرار الأول تخفيف الحظر على “هواوي تكنولوجيز”، في إطلاق ثاني أكبر تدفقات أسبوعية على الإطلاق بقيمة 2.4 مليار دولار على صناديق التكنولوجيا. ما رفع أكبر مبيعات يومية في الأسهم الأميركية على الإطلاق، بما بلغت قيمته 15.7 مليار دولار.
 
استقطاب السندات
في مقابل الهروب من الأسهم، استقطبت سندات الخزانة الأميركية تدفقات، للأسبوع السادس والعشرين على التوالي، وبقيمة 6.3 مليارات دولار، ورغم الإقبال عليها انخفضت عوائد تلك السندات، ما أفضى إلى مواجهة الدولار ضغوطاً نهاية الأسبوع الماضي، إذ تم تداوله قرب أدنى مستوياته في أسبوع مقابل الين، حيث عزز انخفاض العوائد التوقعات بأن مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) سيخفض أسعار الفائدة هذا الشهر، للمرة الأولى في 10 سنوات.
وتشهد السندات الحكومية صعوداً عالمياً، دفع عوائد سندات الخزانة الأميركية إلى أدنى مستوياتها في أكثر من عامين ونصف العام، والعوائد الأوروبية إلى مستويات قياسية منخفضة، بفعل رهانات متزايدة على أن البنوك المركزية الرئيسة ستيسر السياسة النقدية لتعزيز الاقتصاد العالمي.
 
بيانات الوظائف
وفي الوقت الذي تضررت فيه المعنويات إزاء الدولار بفعل انحسار التوقعات لحل سريع لحرب التجارة الأميركية - الصينية، تحول التركيز إلى بيانات الوظائف الأميركية غير الزراعية التي صدرت يوم الجمعة الماضي، وتوقع اقتصاديون أن ترتفع الوظائف الى 170 ألفاً في حزيران المنصرم، مقارنة مع 75 ألفاً في أيار.
لكن تقرير الوظائف الشهري الذي سجل بيانات أعلى من التوقعات، أضاف فيه الاقتصاد الأميركي 224 ألف وظيفة خلال حزيران، بينما ارتفع معدل البطالة إلى 3.7 بالمئة  من 3.6 بالمئة، وارتفع عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات إلى 2.032 بالمئة، بينما ارتفع عائد السندات لأجل عامين إلى 1.847 بالمئة .
 
 تراجع التصنيع
ويبدي رجال الصناعة والخبراء والمحللون الاقتصاديون خشيتهم من موجة ركود محتملة قد تضرب هذا القطاع وتُبَدّد المكاسب التي جناها من حالة الانتعاش والتوسع التي شهدها على مدار العقد الأخير.
وبحسب تقرير نشره موقع “بزنس إنسايدر” المتخصص، لا تتمثل أهمية قطاع التصنيع في الاقتصاد الأميركي بالأساس في نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي لأميركا، إذ لا تتجاوز هذه النسبة 12 بالمئة، وإنما تتجلى أهميته في العلاقات العميقة التي تربطه بقطاعات أخرى رئيسة وحيوية في الاقتصاد الأميركي، ومن أهمها الاستهلاك 
الداخلي.
وأشار جيروم باول، رئيس البنك المركزي الأميركي «مجلس الاحتياطي الفيدرالي»، في أحدث اجتماع للجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة بالمجلس، إلى الضعف المتزايد في حجم النشاط التصنيعي الأميركي أخيراً، نتيجة عدة عوامل، على رأسها تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي والحرب التجارية المندلعة بين أميركا والصين. 
وكان “مؤشر مديري المشتريات”، الذي يقيس حجم النشاط التجاري استناداً إلى استفتاء بين مديري الشركات، قد سجل في الولايات المتحدة تراجعاً في أيار الماضي إلى أدنى مستوياته منذ أن تولى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مسؤولية الحكم. كما تراجع “مؤشر إمباير ستيت” للتصنيع في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياته على الإطلاق خلال المدة
 ذاتها.
ولعل اللافت في هذا الضعف بقطاع التصنيع الأميركي أنه جاء على الرغم من سياسة “أميركا أولاً” التي ينتهجها الرئيس ترامب، الذي تعهد لمرات عديدة بإعادة حجم التوظيف في قطاع الصناعة إلى سابق عهد، وذلك من خلال إعادة ترتيب علاقات أميركا التجارية مع أبرز اقتصادات العالم.
وبينما انتعش التوظيف في القطاع خلال أول عامين من ولاية ترامب، شهدت الأشهر الأخيرة الماضية تراجعاً في حجم التوظيف بالمصانع الأميركية. ويؤكد الخبراء أن هذا التراجع يعد جزءاً من ظاهرة عالمية سائدة حالياً، إلا أن الحرب التجارية عززته بما خلفته من غموض وارتباك بين المستوردين في
 أميركا.