مِن السُبات الدرامي إلى الحركة

الصفحة الاخيرة 2019/07/15
...

 رضا المحمداوي
من أبرز ملامح أزمة الدراما العراقية المُزمنة التي تعاني منها منذ سنوات عديدة هو تمركز الإنتاج الفني لها خلال شهر رمضان فقط، في حين تبقى شهور السنة الطويلة الاخرى فارغة من أي عمل درامي، وقد تكرّرَ هذا المشهد مراراً وسوف يُعاد في السنوات المقبلة بظل استمرار أزمة الدراما العراقية المزمنة بجميع مظاهرها وأسبابها المُعقَّدة والمُتشابِكة 0 
فإذا كان النصف الاول من هذه السنة قد مرَّ ساكناً الى حد الركود حيث توقفتْ حركة الإنتاج الدرامي فيه تماماً وذلك قبل أن يحّل شهر رمضان ليمثّل الموسم الانتاجي الوحيد الذي شَهَدَ عرض الاعمال الدرامية؛ فإن النصف الثاني من السنة بأشهرهِ الصيفية اللاهبة الطويلة سيشهد مرحلة السُبات الدرامي والتي ستستمر الى بداية العام المقبل 2020 حيث تبدأُ الاستعدادات لخوض غمار ماراثون رمضان المقبل، تماماً كما هو الحال في كل مواسم رمضان الماضية، وهي الظاهرة التي ما برحتْ تتكرّرُ في كل عام لتجسَّدَ واحدةً من تمظهرات أزمتنا الدرامية التي لا تنتهي!
ومن جانب آخر يمكن  طرح التقييم النقدي العام لكافة الاعمال الدرامية التي عُرضتْ على شاشة التلفزيون سواءٌ على المستوى الفني أمْ على مستوى الافكار والمعاني ورسائل المضمون التي حملتها تلك الاعمال، حيث لم تعكسْ بمجملها صورةً حقيقيةً متفاعلةً ومؤثرةً لواقع الحياة العراقية المأزومة بكافة صورها ومظاهرها وما تعانيه من إضطراب واضطرام، كما أن هذه الاعمال الدرامية التي تم عرضها لا تقدُّمُ إرهاصات أو ملامح مستقبلية يمكن التعويل عليها في رسم صورة للدراما العراقية الناضجة والمتطورة والمتنامية والتي من خلالها يمكننا تقديم دراما تقف بمصاف النموذج الفني المتطور الذي ما زالتْ تطالعنا بهِ الدراما السورية والمصرية بل وحتى الخليجية بنماذجها الناجحة التي باتتْ تعرضها قنواتها المتعددة0
وفي إطار رسم صورة عامة لبعض ما حفل به الموسم الانتاجي الدرامي لهذا العام فإنني يمكنني أنْ اشير الى ظاهرة غياب بعض المعايير والمقاييس الاكاديمية الفنية وشيوع الفوضى الفنية في بعض مظاهرها وأشكالها التي طالعتنا بها، فقد بدأنا نفقد تدريجياً الإشتراطات والاصول المُتعارف عليها في مزاولة الإخراج التلفزيوني والدرامي منه على وجه الخصوص، ليس هذا فحسب بل لمْ يَعُدْ بإمكاننا العمل بمبادئ المهنة وإخلاقياتها الفنية وهي من الثوابت التي ورثناها من الرواد والآباء المؤسسين للفن الدرامي، أو العمل على إعادة تأسسيها من جديد بعد أن كانت هي السائدة والمعمول بها على مدى سنوات طويلة من عمر الدراما العراقية.
وفي ظل غياب الدور الرسمي على المستوى الوزاري والهيئات الاعلامية والفنية الرسمية أو على مستوى النقابات والاتحادات المهنية، فإنه من الصعب جداً إعادة تقييم أليات العمل الدرامي وإعادتهِ الى الطريق الصحيح  خاصة في ظل هذا الانفلات الفني الذي أسسَّتْ له وأشاعتْهُ وما زالتْ تعملُ تحتَ مظلتهِ العديد من القنوات التلفزيونية عبر برامجها وأعمالها الدرامية المُنتجة والتي تحمل بين ثناياها مضامين مُخّتلة وغير منضبطة وتنطوي على إساءة للذوق العام وتعمل على تخريب الذائقة الفنية للمتلقي.
ومع مرور الزمن بدأتْ هذ الظاهرة وتداعياتها من التمركز والشيوع بعد أن تنصَّل الجميع عن مسوؤليتهِ إزاءها، فهل هي مسوؤلية الفنان المتصدي لمثل هذه الاعمال أم هي مسوؤلية القناة التلفزيونية المنتجة للعمل وصاحبة المصلحة في إنتاج مثل هكذا الاعمال؟
 ومَنْ هي الجهة الرسمية التي يتوجّبُ الاحتكام اليها وإلى معاييرها والاستناد الى أُسسها وواجباتها الاساسية؟ 
أهو الجهل بالاصول والمعايير والمبادئ الاكاديمية الغائبة عن الجميع؟
أنا على المستوى النقدي بدأتُ أخشى من فقدان حلقة الوصل بين الجهات المتعددة ذات العلاقة بالعمل الفني والتي يمكنها أو يتوجب عليها أن تحدد المواصفات والاشتراطات الفنية الواجب توفرها بِمَنْ يتصدى لمهمة الإخراج التلفزيوني والدرامي منه على وجه الدقة والتحديد، والسؤال الذي ينبثق من هذا الفراغ: هل أصبح الإخراج التلفزيوني مهنةً سهلةً وفي متناول يد العديد من العاملين في القنوات الفضائية لدينا؟
وهو ما سوف أتوقّفُ عِندَهُ في حلقةٍ جديدةٍ من هذه الزاوية إن شاءَ الله.