صعوبات مواجهة الجريمة المعلوماتية
العراق
2019/07/15
+A
-A
القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
مع التطور المتسارع في مجالات الحياة كافة ظهرت التقنيات الحديثة ووسائل الاتصالات الذكية وقد صاحب ظهور الانترنت وأجهزة الموبايل والانتشار الواسع لها و استعمالها في جميع الميادين و ازدياد عدد مستخدميها في العالم - ظهور أنماط جديدة من الجرائم تختلف عن الجرائم التقليدية الموجودة في العالم المادي وتسمى بالجرائم الالكترونية او الجرائم المعلوماتية وتقع هذه الجرائم في عالم افتراضي متجاوزا حدود الدول المختلفة
وقد تفنن مرتكبو هذه الجرائم في تنوع الأساليب المبتكرة في تنفيذ جرائمهم مستغلين في هذا معرفتهم وقدراتهم في هذا المجال من اجل القيام بانشطتهم غير المشروعة وتتسم الجرائم المعلوماتية بخصائص عدة تميزها عن غيرها من الجرائم التقليدية وتجعلها جريمة مستقلة و تواجه تحديد الجرائم المعلوماتية صعوبة خاصة و ذلك راجع الى ان هذا النمط من الجرائم من الأنماط المستحدثة التي رافقت التطور الحاصل في مجال تكنولوجيا المعلومات من جهة و كون هذه الجرائم تطال في اعتداءاتها معلومات و معطيات الحاسب الآلي من جهة أخرى و تتسم هذه الجرائم بانها خفية و مستترة و صعوبة اكتشافها و اثباتها كما ان الحاسب الالي هو أداة ارتكاب الجريمة كما انها من الجرائم العابرة للحدود ووقوعها في مجال المعالجة الالية للبيانات ومن هذه الجرائم جريمة اتلاف أنظمة المعلومات و صناعة و نشر الفايروسات و جرائم الاختراقات و جرائم السطو على ارقام بطاقات الائتمان و التحويل الالكتروني غير المشروع للاموال وجريمة السطو على أموال البنوك وجريمة القمار وغسيل الأموال الكترونيا ونظرا لدخول شبكة الانترنت الى مختلف ميادين الحياة أصبحت المعلومات المتعلقة بالافراد متناولة عبرها بكثرة، مما يجعلها عرضة للانتهاك و الاستعمال من قبل المجرمين وقد نتج عنها ظهور جرائم عدة، منها التهديد و المضايقة و الملاحقة وجرائم القذف والسب وتشويه السمعة وانتحال الصفة والتغرير والاستدراج وصناعة ونشر الإباحية و لقد بذلت جهود كبيرة سواء على الصعيد الدولي او الداخلي للدول سواء من المشرعين اومن جهة السلطات التحقيقية للدول لمواجهة الجرائم المعلوماتية الاان تلك الجهود عادة ما تصطدم بعدة صعوبات وعراقيل تتمثل في المقام الأول في لامادية الجريمة المعلوماتية و السمات التي يتميز بها الدليل الذي يستخلص منها و ان صعوبة و إثبات الجريمة المرتكبة ليست وحدها التي تحد من مكافحة الجريمة المعلوماتية و تتسم الجريمة المعلوماتية بأنها محلها معلومات أو برامج معالجة أليا عبر الحاسب الآلي يعطيها طابعا خاصا ليس في طريقة ارتكابها بل في الوسيلة التي ترتكب بها أيضا مما يثير صعوبات في اكتشاف الجريمة المعلوماتية وبسبب صعوبة اكتشاف الجريمة المعلوماتية فان من الصعب إثباتها أيضا فالجاني يسعى بشتى الطرق لكي لا يترك أثرا وراءه يدل على ارتكابه الجريمة ففي اغلب الأحوال لا تترك الجريمة المعلوماتية اثأرا مادية خلفه أو فرض الجناة لتدابير أمنية أو إحجام المجنى عليهم عن الإخبار وكذلك نقص الخبرة لدى السلطات التحقيقية وتظل الجريمة المعلوماتية مجهولة مالم تبلغ عنها الجهات الخاصة بالتحقيق الجنائي وان اغلب هذه الجرائم لاتصل الى السلطات التحقيقية بطريقة اعتيادية كباقي الجرائم الأخرى فهي جرائم غير تقليدية لا تترك اثأرا مادية و يعمد المجرم المعلوماتي عادة إلى إخفاء جرائمهم وإزالة أثارها عن طريق التلاعب بقواعد البيانات في جهاز الحاسب الآلي والبرامج ومن دون ترك اثر وخاصة التخزين الالكتروني و حتى ان كان هناك دليل يستطيع تدميره في ثوان معدودة وفرض الجناة لتدابير أمنية إذ ان المجرمين من الذين يرتكبون الجريمة المعلوماتية غاليا ما يكونون من الأذكياء الذي يحيطون أفعالهم غير المشروعة بسياج امني قبل ارتكابها كي لا يقع تحت طائلة العقاب و ذلك باستخدام كلمة السر التي لا تمكن غيرهم من الوصول إلى بياناتهم المخزنة الكترونيا أو المنقولة عبر شبكات الاتصالات أو قد يقوم المجرم الالكتروني بإخفاء هويته أو انتحال شخصية أو تحت اسم وهمي مما يجعل الكشف عن تلك المرسلات أو المعلومات بالغة الصعوبة و يؤدي بالنتيجة إلى صعوبة اكتشاف النشاطات الإجرامية المرتكبة في نطاق العالم الافتراضي و معاقبة مرتكبيها وان ما يزيد صعوبة الكشف عن الجريمة المعلوماتية هو ان المجنى عليه و خصوصا في جرائم الابتزاز ما يتم التكتم عن الجرائم و لا تبلغ السلطات المختصة عنها ان يكون المجنى عليه مصرفا أو مؤسسة مالية أو مشروعا صناعيا أو تجاريا ضخما و لا يتم الإبلاغ عن تلك الجريمة والسبب في ذلك يرجع في اعتبارها ان الإبلاغ عن تلك الجرائم ربما يؤدي إلى إحاطة المجرمين عمدا بنقاط الضعف في أنظمتها ورغبة منها في توخي الخسائر التي قد تلحق بها من جراء هذا البلاغ و تأثير ذلك على ثقة العملاء بها وان الجريمة المعلوماتية ترتكب في مسرح افتراضي و ان التحقيق في هذه الجرائم يتطلب درجة عالية من الكفاءة العلمية و العملية فالقائم بالتحقيق في الجريمة المعلوماتية يجب ان يكون ملما بأدق تفاصيل الحاسب الآلي و عمل الشبكة المعلوماتية والأماكن المحتملة للأدلة كالمواضع التي تحتفظ بآثار الاختراق وتوقيته وان التحقيق في الجريمة المعلوماتية يواجه نقص الخبرة لدى رجال السلطات التحقيقية لان المعلوماتية تتقدم بسرعة هائلة وان هناك صعوبات في اثبات الجريمة المعلوماتية تتمثل بعدم رؤية الدليل لانه في الجرائم المعلوماتية هي عبارة عن نبضات الكترونية غير مرئية وبسبب هذه الطبيعة غير المرئية للادلة فان كشف الأدلة وجمعها يعدان من ابرز المشكلات التي يمكن ان تواجه جهات التحقيق وكذلك سهولة إخفاء الدليل ومحوه يعتبر من بين الصعوبات التي يمكن ان تعترض اثبات وقوع الجريمة ونسبتها الى فاعلها حيث ان الجاني يتمكن من محو و تدمير أدلة الإدانة بسهولة متناهية بحيث لا تتمكن السلطات التحقيقية من كشف الجريمة و إثباتها وتحاط البيانات المخزونة الكترونيا أو المنقولة عبر الشبكة بسياج من الحماية الفنية لمنع الآخرين من الوصول غير المشروع إليها و الاطلاع عليها أو استنساخها و هذا يشكل صعوبة في إجراء عملية التفتيش عن الدليل ويمكن للجرم ألمعلوماتي ان يزيد من صعوبة عملية التفتيش المتوقع عن الأدلة ضده أو عن طريق مجموعة من التدابير الأمنية عن طريق استخدام الترميز و ان من الصعوبات الكبيرة التي تواجه القائمين بالتحقيق في الجريمة المعلوماتية هي كمية البيانات والمعلومات الضخمة التي يستوجب فحصها ودراستها كي يستخلص منها الدليل ففضلا عن ضرورة توفر الخبرة الفنية في مجال الحاسب الآلي والمعلوماتية لدى القائمين بالتحقيق يتعين كذلك ان تتوافر لديه القدرة على فحص هذا الكم الهائل من المعلومات والبيانات المخزنة على الحاسب الآلي أو أسطوانات منفصلة لذلك يمكن القول ان هذا الكم من البيانات يشكل عائقا إمام التحقيق في الجرائم المعلوماتية وان المجتمع المعلوماتي لا يعترف بالحدود الجغرافية فهو مجتمع منفتح عبر شبكات تخترق الزمان والمكان فبعد ظهور الانترنت لم تعد هناك حدود مرئية أو ملموسة تقف إمام نقل المعلومات وبسبب هذه الطبيعة العالمية للجريمة المعلوماتية فقد برزت العديد من المشاكل والصعوبات إمام السلطات الحقيقية ويشترط لقبول الدليل الجنائي كدليل إثبات ان يتم الحصول عليه بطريقة مشروعة كما ان هناك صعوبات تتعلق بالجانب الخاص بتطبيق القانون الواجب التطبيق من حيث مبدأ إقليمية تطبيق القانون الجنائي ومبدأ العينية و الشخصية و الصعوبات الخاصة بالإنابة القضائية الدولية ونجد من الضروري ان يأخذ المشرع العراقي بان يساير التقدم في مجال تشريع قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية وتدريب السلطات الحقيقية المختصة في مكافحة الجريمة المعلوماتية و إنشاء شرطة متخصصة للتحقيق في هذا النوع من الجرائم بسبب طبيعتها الخاصة و تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل بشكل يسمح للقاضي ان يستند إلى الأدلة المستخرجة من الحاسب الآلي والانترنت واعتماد المستندات الالكترونية يعد دليلا في الإثبات والتوسع في الاختصاص الشامل المنصوص عليه في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل ليشمل الجرائم المعلوماتية التي لا تقل خطورة عن الجرائم التي يشملها الاختصاص الشامل و السعي للانضمام إلى الاتفاقيات الدولية لمكافحة الجريمة المعلوماتية وتطوير التعاون الدولي القضائي بين الدول والسعي إلى تفعيل الاتفاقيات الثنائية في مجال تسليم المجرمين من مرتكبي الجرائم المعلوماتية.