سعد صاحب
ما يحسب للشاعر طاهر سلمان ، كتابة اغنية عاطفية على بحر المتقارب ( فعولن / فعولن / فعولن / فعولن ) ، هذا الوزن الذي يصلح للحروب والقتال . ومن القصائد والاناشيد المكتوبة على هذا الجرس الحماسي ، ( اذا الشعب يوما اراد الحياة) للشاعر ابو القاسم الشابي ، (اخي جاوز الظالمون المدى ) ، للفنان محمد عبد الوهاب ، ( سلام عليك على رافديك) للموسيقار كاظم الساهر ، امنت بالحسين والمقصورة للشاعر الكبير الجواهري .
مجرد كلام
قال لها اكون معك في الشقاء والمرض والتعب ، وهذا الخاتم الذي بين اصابعك النحيلة ، هو كلمة السر مابيننا ، مجرد ان تفركيه عند المصيبة ، اطير على بساط من القوة والرجولة والاكتمال ، واكون بقربك حينما يضيق بك الوجود ، وعندما تكونين وحيدة في مواجهة الصعاب . الرجل الهائم صاحب الخطب الطويلة في العشق ، تخلى عن كل هذه الاقوال ، بعد اول اهتزاز بسيط تعرض له من قبل العائلة ، ولو كان عاقلا هذا الفتى المجنون ، لم يسهب بهذا الكلام الذي ، ليس له مقدرة على الايفاء به الى الحبيبة . في لحظة مصيرية تغير الخطاب وانقلب ، من مفردات الحنان والوله والاشتعال والغزل ، الى ما هو اقسى من النار ، وانفذ من الطعن بالخناجر ، وامر من السم القاتل . هكذا بدا يتحدث في فوضى والانثى صامتة ، وقد علمتنا التجارب السابقة ، من ارقى الردود على الحمقى السكوت .
( مجرد كلام / حجيته ونسيت / حبيبي حرام / على الحب جنيت / كلتلي انتهينه / كلام ومشيت ).
زمان غريب
في المقطع الثاني تتداخل الاصوات والتجارب ، ينطلق صوت الشاعر عاليا بذم الزمان ، الخائن الابدي الى كل الناس الطيبين ، والثرثار غير المهذب الذي لا يكف عن الشتائم ، ومن طبع الليالي تقلبها في المحن . الدهر اللعين جعل من الاصحاب شتاتا ، كل واحد تحت سماء غريبة ، يندب حظه العاثر ويلعن قسوة الايام ، وما تخبئ خلف ظهرها من الاحقاد والشرور . يجيء دور الانثى بالحديث الودود ، ومن المعروف عن حضن المرأة الحقيقي حبيبها ، زوج المستقبل ونبراس البيت المضيء ، ويا للصدمة والمفاجأة حينما نكتشف ان هذا الرجل الضعيف ، مصير كل علاقاته الفشل والخيبة وعدم النجاح . وحين تشعر المرأة بان زمان الحنان انطوى ، تذرف دمعة ساخنة وتصمت ، لان السكوت في هذه المواقف يمنحها الاحترام .
( عجيبه الليالي / غريب الزمان / يخلي الحبايب / كل واحد مكان/ ياريتك تجي / ويردلي الحنان / كلتلي انتهينه / كلام ومشيت ).
يتداخل بحر المتدارك في ( كل واحد مكان ) فتصبح التفعيلة ( فعلن فاعلن ونون زائدة ) , كذلك في شطر ( ياريتك تجي / ويردلي الحنان ) يكون التقطيع بالشكل التالي ( فعلن / فاعلن / فعلن / فاعلن وحرف اخير زائد) .
ظنون
المقطع الثالث يعبر عن مشاعر الفنان رياض احمد ، فالحبيب مهما فعل من السلبيات ، ومهما قسى على من يهواه ، يبقى مكانه في العيون ، منبع السحر والثورة والمرح والطفولة والنور والالهام ، والتطلع الى ماهو انساني ونبيل . العاشق على ثقة مطلقة بعودة الحبيب بعد الجفاء ، والشيء الوحيد الذي يدمر المحبة العظيمة ، ظنون الطرف الاخر الذي لا يثق باحد من الناس ، ولا يمنح الامان حتى الى شريك حياته المخلص الامين ، على اسراره وما يخفي من الامور .
( مكانك حبيبي / ما بين العيون / تغيب وتجيني / من طبعك حنون / خساره يغالي / تظن بيه الظنون / كلتلي انتهينه / كلام ومشيت ).
ينطبق على هذا المقطع ما قلناه في السابق ، وبهذا الشكل تصبح الاغنية من ثلاث بحور متجانسة التفاعيل ، المتقارب والخبب والمتدارك ، وجميعها من سلم موسيقي واحد .