قيل للقمان الحكيم اذبح هذه الشاة واطعمنا اطيب ما فيها فجاء بقلبها ولسانها، ثم قيل اذبح شاة اخرى واطعمنا اخبث ما فيها، فجاء بقلبها ولسانها فسُئل عن ذلك فقال، ليس في الجسد مضغتان اطيب منهما، اذا طابا ولا اخبث منهما اذا خبثا.
ولهذا قال النبي (ص) «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت، فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب».
كثيراً ما تكلمنا عن ضرورة اصلاح وضعنا المتردي في الكثير من المفاصل والمجالات، وقمنا بتقديم الكثير من المقترحات لاعادة النظر في ذلك القانون او ذاك، وبالرغم من عقدنا لعدد لا يحصى من المؤتمرات والندوات الثقافية وغيرها، وحرصنا على اقامة آلاف المواكب الخدمية التي نستذكر من خلالها ائمتنا العظام المستشهدين من اجل الاصلاح وخدمة الانسان بما هو انسان في كل عام، إلا اننا مازلنا ندور في حلقة مفرغة منذ خمسة عشر عاماً على سقوط النظام البعثي البائد، مقيدين بالف قيد من سلاسل الفساد التي تسحبنا نحو هاوية الانهيار الاقتصادي والثقافي والاجتماعي !، غير متسائلين عن السبب الحقيقي وراء ذلك.
اذن وتماهياً مع الحديث الشريف، بما ان جسد الدولة متهرئ لكثرة الفساد، لا بد ان يكون قلبها المتمثل بالنظام الاخلاقي والاداري فاسداً ايضا، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فالخلل ليس بقضية جانبية ما، وإنما العلة تكمن في فساد الاخلاق والضمائر، لكونها هي من تسول للانسان السرقة والقتل وغير ذلك من التجاوزات.
من هنا كانت اولى وظائف الانبياء المكلفين باصلاح المجتمعات البشرية وانظمة الحكم تبعاً لذلك، هي تزكية النفس وتدريبها على الفضائل كما جاء في قوله تعالى «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ» الجمعة (2).
النقطة التي اريد الاشارة اليها في هذه الآية هي مجيء التزكية شرطاً لتلقي علوم الكتاب والتحلي بالحكمة، وهذا هو منهج الرب الخبير بخلقه، اذ لو لم يصلح الانسان الذي هو العنصر الاساسي بقضية استعمار الارض واستخلافها، لفسد كل شيء، لأنه يمثل قلب هذا العالم ومدار حركته.
هذه الحقيقة استوعبتها الكثير من الامم وعملت على استثمار الانسان قبل غيره، ولعل اليابان تأتي في طليعة الدول التي أسست نهضتها على تزويد فردها بالاخلاق الحميدة، كي تضمن اخلاصه في العمل وعدم مخالفة القانون او الاعتداء على الغير، لذلك فرضت منهجاً اخلاقياً صارماً في مدارسها الابتدائية، كما اشار لذلك تقرير لصحيفة جابان تايمز، كبرى الصحف اليابانية الصادرة باللغة الإنكليزية، إلى أن التربية الأخلاقية تؤدي دوراً مهماً في مساعدة التلاميذ على تحقيق حياة أفضل لهم، بالإضافة إلى تأمين تنمية مستدامة للمجتمع والدولة.
على هذا وبعد كل سنوات الهدر التي عانى منها مختلف ابناء الشعب العراقي، آن الاوان لوضع اليد على الجرح والقول ان مشكلتنا اخلاقية، وبالتالي لا بد من تفعيل هذا الجانب المهم والحيوي والذي يميز الانسان عن سائر المخلوقات التي يتعايش معها في هذا الكوكب ويعد القلب النابض للمجتمعات الحية، ويتم ذلك عبر المؤسسات الدينية والتربوية وحتى الاسرية.
هذ ان كنا نرغب حقاً بوضع حد لمأساتنا وما ستؤول اليه امورنا في الغد القريب الذي اراه بشعاً ان بقي الحال نفسه لا سمح الله بذلك.