إرهاب ناعم

آراء 2018/11/09
...

د. كريم شغيدل
عن أي الأزمات نكتب؟! أعن أزمة مقتل خاشقجي وتأثيراتها الآنية والمستقبلية على خريطة العلاقات الإقليمية والدولية؟ أم عن أزمة بدء الحصار الأميركي على إيران ومستقبل الصراع في المنطقة؟ أم عما يعترض تشكيل الكابينة الحكومية التي لم تنجُ من متاهات المحاصصة، وهل ستكتمل قريباً أم ستبقى بعض الوزارات المهمة تدار 
بالنيابة؟ 
أعتقد أن شؤون بلادنا أولى بالاهتمام، على الرغم من أن للأزمات الإقليمية تأثيراتها على الداخل العراقي، فإلى جانب تشكيل الحكومة وقضايا المساءلة والعدالة التي أثيرت على بعض الوزراء الجدد، لدينا موضوع حيوي آخر هو إقرار الموازنة الاتحادية، كما أن الأيام الأخيرة شهدت مجموعة انفجارات بالعبوات الناسفة في مناطق متفرقة من بغداد، بعد استتباب ملحوظ للأمن منذ الانتصار على عصابات داعش الإرهابية، وتبقى طبعاً أزمة محافظة البصرة قائمة
، على الرغم من الحلول الجزئية، لكن في تقديري الشخصي أن تأثير الأزمات الإقليمية يمكن بحثه سياسياً واقتصادياً بمعزل عن أزماتنا الملحة
، فعلى دولة رئيس الوزراء أن يحسم أمر تشكيلته الوزارية، وعلى مجلس النواب الإسراع بإقرار الموازنة، وعلى الحكومة الجديدة أن تشكل خلية أزمة لحل مشاكل البصرة، وطبعاً سيكون تسويف هنا وتأخير هناك، وستكون ثمة معالجات آنية تسد بعض الثغرات أو تقلل من تأثيرات الخلل، لكن، ونموت وفي نفوسنا نحن العراقيين شيء من (لكن)، لكن تبقى أزمة نفوق أطنان من الأسماك أم 
الأزمات.
أم الأزمات لكونها تنذر بمخاطر جسيمة، ليس على المستوى البيئي والاقتصادي فحسب، وإنما على المستوى الأخلاقي والثقافي والنفسي للمجتمع، المواطن العراقي يدرك تماماً أن هناك مافيات تعمل على تخريب اقتصادياته
، وقد نجحت تلك المساعي في تخريب الزراعة والصناعات المحلية، لا سيما الغذائية، لمنفعة متنفذين وتجار يعتاشون على ما هو مستورد من دول الجوار، منظر الأسماك كان مرعباً ومقززاً، بمثابة دعاية مضادة للنفور من شيء اسمه سمك عراقي، والحق نقول إن سمك الكارب أصبح في الآونة الأخيرة في متناول الأسر محدودة الدخل
، وقد أعلنت وزارة الزراعة في وقت سابق عن بلوغ مرحلة الاكتفاء من السمك، وهذا ما لم تبلغه مادة غذائية أخرى
، فبلا مبررات وبلا أسباب ومسببات، يبدو الأمر مدبراً وبفعل فاعل، وهنا تكمن الخطورة
، وعلى الجهات المسؤولة أن تعد هذه الجريمة النكراء جريمة إرهابية
، فسواء كان الأمر ناتجاً عن تنافس متنفذين في سوق السمك أو في أسواق العمالة، أم كان ناتجاً عن إهمال أو سوء إدارة، أو بفعل فاعل مهما كانت غايته، فهي ليست جناية أو جريمة اقتصادية بل هي جريمة إرهابية على وفق المعايير الإنسانية، لأنها مثلت ترهيباً بشعاً للمواطن في معيشته وغذائه
، بل هي تلويح رمزي بفكرة الإبادة، وهي جريمة تبدو مصنعة تصنيعاً ذكياً وبتقنيات عالية تنم عن قدرات متمرسة في العمل الإرهابي، وهذا إرهاب ناعم وجديد يقتلنا بتسميم بيئتنا وطعامنا ومياهنا وهوائنا بعدما سمم عقول 
البعض.