اعتراضات مناطقية وفئوية تهدد وحدة العراق

آراء 2018/11/09
...

عبد الحليم الرهيمي
يقوم سياسيون وبرلمانيون في عدد من المحافظات، لاسيما في البصرة ونينوى ، بممارسة اشد الضغوط على رئيس الوزراء وهو في طور استكمال نصاب تشكيلته الوزارية المتعثرة. وتتمثل هذه الضغوط بتوجيه اقسى واشد الانتقادات والاحتجاجات ، بشكل اساسي  على عدم شمول تلك المحافظات بوزير او اكثر من سكانها في تلك التشكيلة، وذلك اضافة لبعض الانتقادات للتخصيصات المالية المقررة لمحافظاتهم من الموازنة العامة ، في حين صعد البرلمانيون المحتجون من اعتراضاتهم بـ (التهديد ) بتعليق او تجميد عضويتهم في البرلمان، اذا لم تتم الاستجابة لمطاليبهم (وهي بدعة جديدة تضاف الى البدع الكثيرة المخالفة للدستور) !. ارتفع منسوب هذه الاحتجاجات المناطقية والفئوية بتهديد برلمانيي البصرة بالعودة الى رفع شعار اعلان (اقليم البصرة) ،في حين وجه معظم البرلمانيين المحتجين في نينوى اتهامات شديدة اللهجة ( غير معروفة الجهة الموجهة اليها ) بأن هناك (مؤامرة) على نينوى ويراد (معاقبتها) بقلة مقدار الاموال المرصودة لها من الموازنة العامة او لعدم شمول التشكيلة الوزارية بوزير او اكثر من ابناء المحافظة.
ما يميز هذه الاحتجاجات، انها انفعالية تفتقد الى المنطق والى قاعدة الحوار والتفاهم المطلوبين لحل مثل هذه الاشكاليات . وما يميزها أيضاً انها فئوية وكأنها تخص فئة محددة من السياسيين والبرلمانيين ،حيث لم تطرح البرامج او الاهداف المطلوب تحقيقها لاهالي البصرة في كيفية تحسين خدمات الماء والكهرباء والصحة والتعليم والنظافة وايجاد فرص العمل للعاطلين . وما يقال عن انفعال المحتجين من البرلمانيين في البصرة يقال ايضاً عن انفعالية برلمانيي نينوى الذين يتوجب عليهم توضيح الجهة التي تتآمر عليهم والتي تريد معاقبتهم  ولماذا ؟ فاتهامات كهذه تخلق فجوة عميقة بين أبناء هذه المحافظة والسلطة الاتحادية او بينهم وبين مواطنيهم العراقيين الآخرين مما يضعف ان لم نقل يهدد الهوية الوطنية التي تشكل شرط وقاعدة الوحدة الوطنية. 
وفضلاً عن ذلك فان ما يميز شعارات ومطالب الاحتجاجات البرلمانية المناطقية انها لا تقدم او تطرح مع مطاليبها المناطقية اهدافاً ومطالب وطنية عراقية عامة تهم العراق وكل العراقيين والتي سيؤدي تحقيقها الى ان تعود بالفائدة على كل المحافظات وسكانها بما فيها محافظاتهم، ذلك ان تقدم وتطور العراق وازدهاره كوطن يمثل المدخل الحقيقي لتقدم وازدهار المحافظات وأهلها جميعاً وليس فقط السياسيون واعضاء البرلمان وحدهم !.
ويتساءل كثيرون عن الاسباب والمبررات التي تدفع البرلمانيين والسياسيين في محافظتي البصرة ونينوى وغيرهما الى هذا النهج الانفعالي في طرح المشاكل ، والى اثارة المشاعر ، او الغرائز ، المناطقية التي تثير الروح الانعزالية لهذه المحافظة او تلك تجاه المحافظات الاخرى واهلها العراقيين. ثمة من يعتقد ان بعض دوافع هذا التوجه هو الدعاية الانتخابية المبكرة ومخاطبة مشاعر الجمهور الناخب، لا الجمهور الوطني العراقي، فضلا عن رغبة البعض بالاستيزار.
وفي مواجهة ذلك ولكي لا تتعزز مشاريع الانقسام بالهويات الفرعية ومنها المناطقية التي يروج لها الان ، فان المطلوب ان تتحول او تترجم الانتقادات والاحتجاجات المناطقية والفئوية الى طرح برامج ومطالب وطنية عراقية عامة تتضمن بشكل اساسي ما تحتاجه المحافظات واهلها من مشاريع خدمية واعمار وبناء في جميع المجالات، وهذا يعني ان (البرنامج الوطني) العراقي الذي يهتم ويشير ضمناً او صراحة الى مشاكل ومطالب جميع المحافظات دون استثناء وهو ما يتضمنه البرنامج الوطني العام لبناء المشاريع الستراتيجية الكبرى، التي تعود بالفائدة على كل العراقيين، بل وحتى ابداء الرأي لما ينبغي ان تكون عليه السياسة الخارجية للعراق لان آثارها الايجابية والسلبية تنعكس على كل المحافظات .
واذا كانت الانتقادات والاحتجاجات المناطقية والفئوية مشروعة ومهمة، فان مشروعيتها واهميتها الاكبر، ان تبقى في اطار المصالح الوطنية العراقية التي تجسد الهوية الوطنية الجامعة والضامنة للوحدة الوطنية السياسية لجميع العراقيين بمختلف انتماءاتهم ومحافظاتهم.