جودت التميمي شاعرُ الصّمت المليء بالشغب

ثقافة شعبية 2019/07/26
...

سعد صاحب
كلّما حاول جودت التميمي الابتعاد عن الهموم، ترتدي أحلى ما لديها من الثياب الفاخرة، وتعود اليه بأشكال جديدة، تغريه بالاقامة قربها الى الأبد. 
غنى للفرح القليل، لكنّه حتى في داخل السعادة، يحنُّ الى الحيرة والكآبة والألم، ويشتاق الى العذاب، فالمرح بطبيعته الزائفة يخون الانسان، والشجن اوفى في صداقته من السرور. 
 
(سكتت انغام المعازف / خضرت بشفافي سكته / ماتت الجلمه قهر بين الشفايف / بالسكوت اشكد مطر وشكد عواصف / بالسكوت شجم شجاعه / بالسكوت شجم شفاعه / بالسكوت شكد دمع محبوس اكته / بالسكوت الروح تصعد ما تطيح / بالسكوت الصوت مخفي شما تصيح /  بالسكوت الوكت ينسى حساب وكته / ياحبيبه الحزن ارحم / امنت بالفرح روحي / سوه بيهه الفرح نكته ). 
 
   رتابة 
جودت التميمي يكره الحياة الرتيبة الراكدة، الخالية من المتاعب والصعوبات والمشاق، فهو من عشاق المغامرة الدائمة، في الحب والسياسية والصداقة والعمل، ومواجهة الواقع بكل رموزه المؤثرة، ولا يخشى حتى من الاحتكاك بالسلطة، بطريقته الخاصة المبطنة بالفكاهة والنكات والرفض والسخرية المرة. 
(انكر حناني النهر / واتبره مني الجرف / غاب ونساني الكمر / وبساع ضاع العرف / لا هاي ديرة هلي / لا ذاك نفس الولف / دنياي خوف وخطر / دنياي غربة ونزف / نيران سال المطر / والدنيه ريح وعصف / شدوا بكلبي الوتر / والغيري صار الطرب / والغيري صار العزف / شربوا سنين العمر / وانه شربت التعب / وانه شربت النزف). 
 
   تجارب
تعلّم من سليقة الابداع، ان القصائد المهمة لا تكتب بلا تجارب، ولو عاش في احد الفنادق الراقية، لمدة اسبوع واحد لغادر المكان، وراح يتسكع في شوارع الباب الشرقي الساحرة، ليختار غرفة متواضعة في احد الاحياء القديمة، لانها تمنحه ما يحتاج من الخيالات والصور والافكار الجديدة. 
(غرفة بحي البتاوين / منهه تباوع صوب الشارع والناس الحلوين / نجمه بذاك البيت الرايع تدخل / نجمه بذاك الحوش الواسع تنزل / تشرب شربت قمر الدين / طفل مدلل يلعب بالدربونه / وطيور شكد بالرازونة / وتمر ذيج المحبوبه المجنونة / تركض تتبع طيف الغايب / وكت التتعب تتوسد فوك من الطين / جان يوحد هاي الناس الدين / حلوه انتي شكد ومزيونه / واهلج يا بغداد شكد
طيبين ). 
 
  جوع
لا يحب الاكل الفاخر المغمّس بالذل والاهانة، ولا يحتسي قناني المشروبات الخاصة باصحاب الاموال، وحين يشعر بالجوع يكتفي بنصف صمونة مع اي طعام بسيط، وبدل الشكوى المباشرة يبكي في الخفاء، او يترجم احزانه بقصيدة تنتمي اليه بقوة. 
 
( نص صمونه تشبع / وكت العازه الجايع / نص قنديل بليل الغربه يدلي الضايع / نص تلويحه ودمعة عين متاع الراجع / لا لا تشكي واكتم غيضك / خله يفيض ويروي الكاع العطشت فيضك / مر مسودن يمطر فوك الوادم كيضك / يمطر حالوب اسود خادع / ويمدون شطول السفرة / ما تختار جفوفك غير الماي / وعود الخضره / لا مو طيب زاد الذله الفاجع / سم الكاس بايد الهان واصبح تابع / عوف الخان الناس بيوم العشره / بدل الواحد راح تصاحب عشره / دك الكلمن خان جروحك اكبر طابع / لا تتلفت صوب الباعك / عوفه يسافر بين الموج شراعك / غمض عينك وكت الرادت ليها تباوع). 
 
حلول
كان يُعاني من مشكلات وجودية كبرى، لا يدري اين يجد لها الحلول، في الدين ام في السنن العشائرية الصارمة، ام بالمكوث الطويل في الحانات الرديئة، ام في العزلة والانطواء والابتعاد عن الناس، الذين يثيرون الملل والقرف والضجر والاختناق.
( حاير الانسان حاير / بين دين الله اليسامح / بين رايات العشاير / بين كاس وصحبة الندمان وكطوف الجكاير / بين عزلة وخوف ودموع وملامات وخساير / بين فد واحد مريح / بين فد واحد وكيح / بين ضحكة واه وجروح وعذابات ودواير / حتى لحظات الفرح هاي السعيدة / الحزن بالروح بانيله ضريح / وشكثر وادم تون داير مداير). 
 
  حروب
برغم روح التآلف التي كانت تتمتع بها روحه المسالمة، دائما يفتعل الحروب الجانبية الصغيرة، وكأنما الاشعار الجيدة لا تجيء إلا في اوقات التشابك والانفعال والهجوم. ولا رأي لدينا سوى انه يتآكل ويموت ويشعر بالخواء، في زمان السلم والهدوء والراحة والامان، ويتجدد في مواجهة غول الموت الضاري. 
 
(منهو كلك انت اغلى من المباخر / منهو كلك انت ادفى من المجامر / منهو كلك انت احلى من المسيح / منهو كلك ضحكة شفافك مواني / بيهه كل ضايع ينام ويستريح / منهو كلك دورة عيونك اماني / لو تباوع تبتسم كل الحزانى  / يشمر العكاز ويكوم الكسيح / منهو كلك بيك مجبورة الاغاني / والدمع شطين بغيابك يسيح / احنه نعرف بيك ساحر / قشمرتنه سنين بالحب والمشاعر / بس جمالك ما يثير اليوم شاعر / شوف بخدودك سراديب وعلامات ومخافر / شوف وجهك بالمرايه شكد 
قبيح). 
 
   أزمات 
في شعر جودت الكثير من الافراح والاحزان الفجائية المربكة، وهو كشخص يعيش ازمات حياتية كثيرة، مرة تراه في قمة التشاؤم، ويستطيع ان يؤثر فيك سلبيا، ويقودك في متاهات مظلمة. ومرة يكون في ذروة التفاؤل، ويدعوك الى الانطلاق والسعادة، والابتهاج والمرح الحقيقي الصادق. 
( مرة ياخذني الحزن كلش بعيد / ما احس اليوم جمعة ولا احس اليوم عيد / واليزيد من القهر واكثر يزيد / من دهر كامل تعاني / بين ناس هواي بس تشعر وحيد / والزمن نفس الزمن يندار بينه / غابت الروح الحنينة / والقديم الراح بس هوه الجديد / بس تجي ساعات افرح / والفرح مثل الورد غدار يجرح / الفرح عازف كمان الروح صاير / والحزن اصبح نشيد / طارت بعيد الحمامة / فوك شفتي تشوف ياعيني ابتسامه / بس دمع هاكد دمع تارس 
الايد).