مقاهي كابل.. النساء يصنعن الثقافة وليس الرجال

بانوراما 2019/07/26
...

ديفيد زوتشينو وفاطمة فائزي
ترجمة: ليندا أدور
في بعض الأيام، تغدو الحياة وسط كابل خانقة، بالنسبة لفتاة مثل هاديس ليساني ديلجم، (17 عاما) الطالبة التي أوشكت على انهاء دراسة المرحلة الثانوية، اذ تعرضت للانتقاد أثناء اجتيازها الشارع، ذات مرة، بسبب وضعها للمكياج ونمط لباسها الغربي، عندما صرخ رجل بوجهها قائلا، "انها مخزية"، ومرة أخرى حين شتمتها امرأة بمنتصف العمر، لأنها كانت تمشي وتدردش مع أحد الشباب.
"لقد نعتتني بأوصاف فظيعة لا أجرؤ على ذكرها ثانية" تقول ديلجم، التي وجدت العزاء لنفسها بالقدوم الى المقهى المتواضع، وهي تجلس مكشوفة الرأس وتتبادل الحديث مع شابين آخرين، "هذا هو المكان الوحيد الذي يمكنني الاسترخاء والشعور فيه بالحرية، حتى ولو لبضع ساعات".
خطي الأحمر
خلال السنوات الثلاث الماضية، انتشرت على امتداد أنحاء العاصمة كابل المقاهي العصرية الجديدة لتصبح دلالة على التطور الحاصل للنساء هناك، التي كانت ملاذاً لهن تحت ظل ثقافة متحفظة، لا تزال لها قيودها على ملبس النساء وسلوكهن عند خروجهن الى الأماكن العامة وتعاملهن مع الرجال، تلك التقاليد التي استمرت 18 عاماً بعد الإطاحة بنظام طالبان الذي حرم الفتيات حق التعليم، وألزم النساء بيوتهن وأرغمهن على ارتداء البرقع. "نحن خائفات جدا"، تقول مريم غلام علي (28 عاما)، فنانة وهي تشارك صديقا لها كعكة شوكولاته داخل مقهى يدعى "بسيط"، مضيفة، "نسأل بعضنا البعض، ماذا سيحل بالنساء لو عاد حكم طالبان. عندما نأتي الى هنا نشعر بأننا أحرار، ليس هناك من يجبرنا على وضع غطاء الرأس". فخلال تلك الحقبة، كانت معظم النساء من مرتادات المقاهي الحديثة حاليا، أطفالا تحت حكم حركة طالبان، ثم نشأن مع استخدام الهواتف المحمولة ومواقع التواصل الاجتماعي وحق التعبير عن أنفسهن بحرية، اذ لا يمكنهن تصور العودة الى إملاءات طالبان المتشددة، التي لجأت في بعض الأحيان الى رجم النساء حد الموت للاشتباه بارتكابهن جريمة الزنا، وما زال مسلحون تابعون للحركة يمارسون الرجم داخل المناطق التي يسيطرون عليها.
أنشأت فرحناز فوروتان (26 عاما)، وهي صحفية وزبونة دائمة للمقهى، حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، اطلقت عليها اسم "خطي الأحمر "(#myredline)، طالبت عبرها النساء بالدفاع عن حقوقهن، وقد دعمت صفحتها على الفيسبوك بصور لها من داخل المقهى ورموز من حملتها.
 
جيل الديمقراطية
تقول فوروتان: "أشعر بالسعادة لدى ذهابي للمقهى والحديث مع الأصدقاء، ولا أنوي التضحية به" مضيفة، وهي تجلس وسط مقهى بكابل بأنَّ من الممكن لتلك الحريات أن تزول في حال أعادت محادثات السلام حركة طالبان الى الحكومة من جديد. "لا أريد أن يعرّفوني على أنني شقيقة أو ابنة فلان، وإنما أريد ان أُعرّف كإنسان"، تقول فوروتان، مضيفة: "حتى هذا اليوم، لا يمكننا السير وسط الشارع من دون التعرض للمضايقات، فالناس ينعتوننا بالعاهرات والغربيات ومن "جيل الديمقراطية"".
تحتل أفغانستان المرتبة الأسوأ أو ضمن الدول الأسوأ بالنسبة الى النساء، اذ تلزم أحد التقاليد الأفغانية أن ينسبن النساء العازبات لآبائهن والمتزوجات منهن لأزواجهن، كما تنتشر ظاهرة الزيجات المرتبة وغالبا ما تكون لأبناء العم والأقارب.
أما عالم الريف، فغالبا ما يشهد عمليات بيع الفتيات الصغيرات كعرائس لرجال من كبار السن، الى جانب جرائم الشرف التي لا تزال تحدث، فهناك نساء يقتلن على أيدي أقاربهن من الذكور، ولا يتم تطبيق فقرة الحماية التي نص عليها الدستور الأفغاني وقانون حقوق المرأة لعام 2009.
خلال العام 2014، وبعد سلسلة الهجمات التي شنتها حركة طالبان على بعض مقاهي ومطاعم مدينة كابل بضمنها التفجير الانتحاري الذي استهدف أحد المقاهي وأدى الى مقتل 21 شخصا، اضطرت الحكومة لإرغام أصحابها على إغلاقها تجنبا للمزيد من العنف. ثم شهد العامان التاليان انتقال الكثير من مظاهر الحياة الغربية الى المنازل الخاصة، حتى جاء العام 2017 لتبدأ مقاهٍ جديدة بفتح أبوابها من جديد وتكون ملاذا للشباب من الجنسين من التواقين للاختلاط من جديد وسط الأماكن العامة.
الغريزة كالدين
تقول فريشتا كاظمي، الممثلة الافغانية الأميركية، وهي زبونة دائمة لمقاهي كابل: "إنَّ غريزة الانسان قوية كالدين، وان الحاجة الى التواصل ومشاركة العواطف والتواصل بالعيون أمر غريزي كذلك". فبعد سقوط نظام طالبان أواخر العام 2001، تمت تنمية غرائز الانسان الطبيعية عندما سمح للفتيات والنساء من سكان العاصمة بالالتحاق بالمدارس والجامعات، والعمل الى جانب الرجال في الوظائف الخاصة والحكومية. كما ان الدستور الافغاني يضمن حصول النساء على 68 مقعداً من أصل 250، بواقع إمرأتين على الأقل من كل محافظة من المحافظات البالغ عددهن 34.
تحرص مينا رضائي (30 عاما)، التي افتتحت مقهى يحمل اسم "بسيط" وسط كابل منذ عام، على عدم تعرض أي من زبوناتها الى المضايقة بسبب ارتدائهن للملابس العصرية ومجالستهن الرجال. "النساء هن من يصنعن الثقافة هنا، وليس الرجال"، تقول رضائي وهي تشير الى طاولة حيث يجلسن نساء يضحكن ويتبادلن الأحاديث مع مجموعة من الشباب وقد خلعن أغطية رؤوسهن. "أحب أن أرى ذلك، طالبان هي من بحاجة الى تغيير ايديولوجيتها، وليس نحن، وهذا هو خطي الأحمر".
 
مقهى للسياسيين
أما طاهرة محمدزاي (19 عاما)، التي كانت طفلة من مدينة قندهار الجنوبية، معقل طالبان، عندما سيطر المسلحون على حكم أفغانستان، فرت مع عائلتها الى إيران ليعودوا الى كابل قبل سبع سنوات، وقد اصبحت طالبة ضمن الدراسة الجامعية. "لقد استمعت لقصص روتها والدتي عن كيف كانت الحياة مختلفة حينها" تقول محمدزاي وهي تجلس في مقهى جاكسون، الذي سمي على اسم المغني مايكل جاكسون، مضيفة: "من المستحيل أن تعود الأمور الى ما كانت عليه سابقاً"، مشيرة الى أنَّ خطها الأحمر هو انها تفضل العيش تحت ظل الحرب المستمرة، وهي تتجاوز عامها الثامن عشر، على أنْ تعيش تحت رحمة حكومة ما بعد الحرب وقد ضمت طالبان اليها. "إن عادوا (تقصد طالبان) سأكون أول من يفر من أفغانستان"، تقول محمدزاي.
أما فوروتان فتقول إنها مصممة على البقاء مهما حدث: "أتمنى أن أرى مقهى للسياسيين من الرجال من الذين لديهم أولوية واحدة؛ هي السلام".
 
* صحيفة نيويورك تايمز الأميركية