مساعي إيران لبلوغ الآفاق البعيدة
اقتصادية
2019/07/28
+A
-A
كيفن ليم وغيل بارام ترجمة: انيس الصفار
يقال أيضاً إن إدارة الرئيس "دونالد ترامب" بلغ بها الأمر حد إعادة إحياء برنامج سري من عهد الرئيس بوش هدفه تقويض برنامج إيران الصاروخي والفضائي عن طريق زرع مكونات مختلة الاداء على سلسلة التجهيز التي تتزود منها برامج الجو والفضاء الايرانية.
بيد ان أهمية برنامج الفضاء الإيراني بالنسبة للأمن القومي تتعدى بكثير تأثيرات الصواريخ البالستية العابرة للقارات، لأن حضور إيران المتزايد على مستوى الفضاء الخارجي، لا سيما عند اقترانه بتنامي قدراتها في المجال السيبراني، يعزز جميع اوجه قوتها المادية.
منذ الثمانينيات
انبثق برنامج جمهورية إيران الاسلامية الفضائي اصلاً من برنامجها الصاروخي الذاتي الذي كانت قد ابتدأت العمل به منذ اواخر اعوام الثمانينيات بمساعدة رئيسة من كوريا الشمالية والصين وليبيا والاتحاد السوفييتي. خلال العام 2003 وحينما كان الزعيم الاصلاحي محمد خاتمي يمضي فترة رئاسته الثانية، اقرّ البرلمان الايراني تأسيس ما أطلق عليه "المجلس الأعلى للفضاء" وكذلك وكالة الفضاء الايرانية باعتبارهما ذراعه التنفيذي، مع ربط المؤسستين المذكورتين بوزارة تكنولوجيا الاعلام والاتصالات.
مع بداية العام 2005 تلقى برنامج الفضاء الإيراني دفعة قوية خلال فترة الرئيس الإيراني المتشدد محمود احمدي نجاد، في الوقت نفسه اشتدت سخونة المواجهة بخصوص برنامج إيران النووي. وبحلول شباط 2009، وخلال الاحتفال بالذكرى الثلاثين للثورة الإيرانية، اطلقت إيران بنجاح أول قمر اصطناعي محلي واسمه "أوميد" (أي الأمل) باستخدام مركبة اطلاق الاقمار "سفير".
هذا الانجاز وضعها ضمن نحو 12 دولة مرتادة للفضاء تمتلك قدرات ذاتية لإطلاق اقمارها بنفسها. تمكنت إيران حتى الآن من استخدام مركبات اطلاق الاقمار من فئة "سفير" لوضع اربعة اقمار اصطناعية ضمن مداراتها تحمل اجهزة ومعدات متنوعة للاتصالات وتصوير الارض ومراقبة البيئة. عدا هذه كانت هناك ثماني حالات فشل
موثقة.
في العام 2010 كشفت إيران عن مركبة لإطلاق الاقمار ذات مرحلتين اسمها "سيمورغ" (أي العنقاء) وهي مطورة عن مركبة "سفير" بقدرتها على التحكم بأربعة محركات صاروخية بدلاً من محرك واحد (وهي جميعاً على غرار صاروخ نودونغ الكوري الشمالي) تسمح بنقل حمولة تصل الى نحو250 كيلوغراماً، أي ما يزيد على خمسة اضعاف ما سبق لها أن وضعته في المدار حتى ذلك الحين.
منذ العام 2016 اجرت إيران عدة محاولات اطلاق باستخدام مركبة "سيمورغ" ولكن لم يثبت أن اي منها قد أصاب نجاحاً، بما فيها "بايام" التي اطلقت خلال شهر كانون الثاني الماضي. ولكن ثمة تقارير تفيد بأن إيران ارسلت قرداً الى الفضاء مطلع العام 2013، وهذا يقربها من ارسال انسان الى الفضاء، وهو انجاز لم تتمكن منه حتى الآن سوى روسيا والولايات المتحدة والصين فقط. وخلال العام ذاته، افتتحت إيران ايضاً مركزاً للرصد من الفضاء، وهي خطوة اساسية مهمة صوب تطوير قدراتها على رصد وتمييز الاجسام والاحداث والنشاطات المختلفة التي تدور في الفضاء، ما كان منها طبيعياً وما كان من صنع الانسان.
سباق تسلح
حتى الآن كانت النجاحات الايرانية تتركز على المدار الارضي المنخفض، وهو النطاق الاكثف زحاماً في الفضاء ويقع على ارتفاع 1200 كيلومتر عن سطح الارض.
هذه المساحة تستخدم عادة للرصد الارضي ولبعض انظمة الاتصالات المحدودة، ولعل الاشهر من ذلك كله هو انها ايضاً موضع محطة الفضاء الدولية. بيد أن إيران تهدف حالياً الى الدفع بمجموعة متنوعة من اقمارها الاصطناعية الى نطاق ابعد من هذا، أي الى الفضاء التالي ذي النطاقين المعروف بالمدار الارضي الاوسط والمدار الاستوائي المتزامن مع دورة
الارض.
هذه الاقمار، من مواقعها على ارتفاعات تقارب 20 ألفاً و35 ألف كيلومتر عن سطح الارض، سيمكن توظيفها لخدمة أنظمة الملاحة مثل نظام "جي بي أس" والانترنت والتلفزيون وانظمة البث الاذاعي.
مثلما كان الأمر في حالة برنامجها النووي أخذت إيران تجادل مدافعة عن برنامجها الفضائي بدعوى أنه مخصص كلياً للاغراض السلمية. بيد أن إيران، وهي دولة لديها تحسس لا يهدأ ازاء التهديدات التي تستهدفها، يرجح أن تسعى على أقل التقديرات الى التعامل مع الفضاء باعتباره جانب الضعف الأمني المستقبلي المحتمل. لذلك من شبه المؤكد أن تحاول اضعاف ودرء محاولات الآخرين لتسليح الفضاء وحرمانهم من استخدامه لهذه الغاية.
أثناء تلك الفترة عكفت طهران على رصد وتقييم الجهود الهجومية التي تقوم بها الدول الاخرى. ففي حزيران 2018 وجه ترامب تعليمات الى البنتاغون بتأسيس ما يسمى "القوة الفضائية"، وهي قوة منفصلة عن القوة الجوية سوف تصبح الصنف السادس من صنوف القوات العسكرية الاميركية، والغاية منها هي تسيد الفضاء.
رداً على ذلك بدرت من روسيا والصين اعتراضات مع التأكيد على ابقاء استخدامات الفضاء سلمية بحتة.
رغم أن ما من حروب قد وقعت في الفضاء حتى الآن، لكن هنالك سباق تسلح صامت يأخذ مجراه على قدم وساق بين الصين والولايات المتحدة لبناء تلك القدرات، كذلك تسابق روسيا الزمن لإحراز الفوز في هذا المضمار.
خلال العام 2007 اختبرت الصين بنجاح سلاحاً مضاداً للاقمار الاصطناعية على أحد اقمارها المدارية الخارجة من الخدمة، وهو قمر كان مخصصاً للانواء الجوية.
كان هذا هو اول اختبار من هذا النوع منذ زمن الاختبارات التي كانت تجريها القوى العظمى أيام الحرب الباردة في الثمانينيات. وفي العام 2018 حذر تقرير لوزارة الدفاع من ان الصين وروسيا تجندان إمكانيات ضخمة لانتاج اسلحة قادرة على مهاجمة أقمار أميركا الاصطناعية وسائر قدراتها في الفضاء، الأمر الذي يمكن أن يحيل الفضاء الى ساحة حرب. بالتالي أدى هذا الاشكال الامني الى تحريض دول اخرى على تطوير قدرات فضائية مضادة هدفها الاساسي اكتساب السيطرة عبر هذا الميدان الجديد.
حجب نشاط الأقمار
إيران من جانبها كانت تعمل ايضاً ببطء وثبات على تحسين قدراتها في ميدان أنظمة جمع المعلومات والاستطلاع والانذار المبكر، وتفيد التقارير أنها قد نجحت حتى الآن في استخدام تكنولوجيا الفضاء لمحاكاة نظام تحديد المواقع التابع لاحدى الطائرات الاميركية المسيرة، وحجب الرؤية عن قمر تجسس أميركي باستخدام الطاقة الموجهة، واستخدام تقنيات تشويش متقدمة ضد اقمار اصطناعية تجارية غربية.
اذا ما امعنا أكثر في الجانب النظري فإن تكنولوجيا تحديد المواقع والتعقب المطورة، الى جانب احراز مزيد من التقدم الصاروخي، سوف تتيح لإيران مستقبلاً إمكانية تطوير صواريخ مباشرة الصعود من قواعد ارضية أو من المدار، وهذا النوع يرمز له (ASAT)، وهي صواريخ تستطيع ايضاً استهداف الاقمار الاصطناعية ومنصات التحكم والسيطرة والاتصالات، وكذلك اجهزة الكومبيوتر وانظمة جمع المعلومات ومنصات المراقبة والاستطلاع (المعروفة بإسم C4ISR) التي يزداد استخدامها من قبل خصوم مثل الولايات المتحدة في العمليات العسكرية المندمجة.
رغم الحظر الذي فرضته الامم المتحدة على الاسلحة النووية في الفضاء الخارجي منذ العام 1967، وهو حظر وقعت عليه إيران ولكنه لم يكتسب المصادقة حتى الآن، تبقى لدى إيران القدرة المحتملة على الجمع بين مطامحها النووية وتلك المتعلقة بالفضاء الخارجي.
هذا الجمع قد يتخذ صورة التسلح على نحو
لا يختلف عن "منظومة القصف المداري الجزئي" التي عمل عليها الاتحاد السوفييتي، ومن شأن ذلك استخدام الطيران ما دون المداري للحصول على مدى للضرب لأية نقطة في العالم. على غرار ذلك فإن السلاح النووي الذي تفجره إيران في الفضاء يمكن أن يستخدم لتوليد نبضة كهرومغناطيسية تشل الانظمة الكهربائية والالكترونية الموجودة عبر المدار.
لا يزال من المبكر الحديث عن توظيف إيران، او امتلاكها، لقدرات فضائية متقدمة كتلك التي لدى الصين أو روسيا، ولكن حتى لو بقيت العقيدة الفضائية الايرانية تتحاشى الجانب الهجومي فإن العمليات الفضائية الدفاعية، التي تشمل وسائل في حوزتها منذ الآن مثل اجهزة الليزر والتشويش والقرصنة الالكترونية، كافية لإيقاع الاضطراب والتشويش على مدى واسع من وسائل الخدمات التي يتزايد اعتماد المجتمع الدولي عليها، ومن ذلك الملاحة والاتصالات.
علاوة على هذا، وبدلاً من ضرب القدرات الفضائية، فإن الدول لديها المقدرة على استهداف المكونين الاخرين للانظمة الفضائية اللذين يسهل التسلل اليهما، وهما قدرات السيطرة الارضية والقياس عن بعد، والرادارات التي تؤمن روابط الاتصال الارضية الفضائية.
ثمة تقييم حديث اجرته احدى مؤسسات البحث الاميركية يفند الحجة القائلة بأن ايران تستخدم برنامجها الفضائي كستار تطور من وراءه صواريخها البالستية العابرة للقارات، بهذا المعنى يشكك التقييم في تصنيف ادارة ترامب للتهديد الايراني ويضعه موضع التساؤل. ولكن نظراً لتصاعد المنافسة بين دول العالم التي غزت الفضاء فإن الفضاء نفسه، بوصفه ذروة ذرى الستراتيجية، لن يزداد في نظر إيران إلا أهمية على اهميته، لا سيما تحت ظل النقص الذي تشكو منه وتشتت ما تمتلكه من وسائل الردع.