تلقي تقلبات الأوضاع العامة، لاسيما السياسية منها بظلالها على حياة الفرد الذي يضعه القدر تحت طائلتها، فيتغير حاله من شكلٍ لآخر، وتغيرت تبعاً لتقلبات الاوضاع السياسية أحوال كثير من الافراد والجماعات، كما تعرض كثيرون أثناء تلك التقلبات للقمع والتجريح بسبب المعتقد والعِرق، وبعد أحداث العاشر من حزيران عام 2014 تعرض الايزيديون في المناطق التي سيطرت عليها عصابات داعش الإرهابية الى شتى أنواع الإرهاب والاضطهاد، وقد شكّلت الجرائم التي ارتكبت ضد أقدم ديانات بلاد ما بين النهرين، صدمة كبرى للمجتمع الدولي بشكل عام والعراقي بشكل خاص، وقد كان لتلك الصدمة الاثر الذي دفع مجلس النواب العراقي الى أن ينهي القراءة الأولى لقانون “ تعويض الناجيات الإيزيديات “ الذي سيستهدف تأهيل النسوة اللاتي تحررن من قبضة التنظيم الارهابي بعد أن مُورِسَت ضدهن أسوأ الجرائم التي حَسِب َ العالمُ انه غادرها منذ آلاف السنين، وقبل استعراض فقرات هذا القانون لابدّ من الإشادة بهذه الالتفاتة التشريعية المهمة، التي ستكون بمثابة التعويض المعنوي والمادي عما تعرضت له نسوة تلك الطائفة العريقة السمحة.
نصت المادة (3) من مشروع قانون تعويض الناجيات الإيزيديات على “ تأسيس مديرية عامة لرعاية شؤون الناجيات”، وتكون مرتبطة بالأمانة العامة لمجلس الوزراء.
إن استحداث مديرية عامة لغرض تنفيذ أهداف هذا القانون وربطها بالأمانة العامة لمجلس الوزراء يعد ضمانة حقيقية لتطبيق الأحكام الواردة فيه، وتحقيق ما تضمنه من أغراض، وسيجعل فيما بعد أمر تنفيذ القانون سهلاً وواضحاً، وقد تجنب المشرع في هذا النص الإشكال الذي يُثار على قوانين مماثلة ظلت نصوصها رهينة المتن ولم ير تنفيذها النور.
وقد حددت المادة (5) من القانون مسؤولية مديرية رعاية الناجيات الايزيديات وهي أن تتولى هذه المديرية احصاء واعداد بياناتهن وتقديم الرعاية لهن، كما نصت على ضرورة معالجة الأوضاع القانونية للأطفال المولودين من أمهات ناجيات، وحسناً فعل المشرع لما نص صراحةً على معالجة موضوع أولئك الأطفال، إذ تشير الاحصائيات الرسمية الى ان اعدادهم تصل الى المئات وجميعهم بلا آباء حالياً ولا أوراق ثبوتية.
ثم عاد القانون ليضمن للناجية الايزيدية فرصاً للعمل والتشغيل، ووعد بفتح مراكز صحية تتولى مهمة معالجة آثار التعنيف التي تعرضن لها أثناء أسرهن لدى عصابات داعش الإرهابية،وجاءت الفقرة الاخيرة من المادة (5) لتنص على تشكيل محكمة بداءة يكون مقرها في قضاء سنجار لغرض معالجة الأحوال المدنية للمولودين من الناجيات، وبغية إتمام مستلزمات تأهيل الناجيات ودمجهن في المجتمع ومحو آثار ما تعرضن له فقد نص القانون في المادة (8) على تخصيص راتب شهري لا يقل عن ضعف الحد الأدنى للراتب التقاعدي المنصوص عليه في قانون التقاعد الموحد، كما منح القانون الناجية المشمولة بأحكامه قطعة أرض سكنية مجانية .
ولم تقتصر الامتيازات الممنوخة في هذا القانون على تعزيز الوضع المادي للناجيات فقط، بل حرص القانون على الارتقاء بهن فكرياً وعلميا ،إذ نص على حق المشمولة في أحكامه بالعودة الى الدراسة استثناءً من شرط العمر والمعدل، وإعطاء الأولوية في التعيين للوظائف الحكومية للناجيات، وكان من الافضل لو عالج القانون حالات الموظفات من الناجيات ممن فقدن وظائفهن بسبب اختطافهن وأسرهن، لكننا نأمل إضافة نص يعالج تلك الحالات في القراءة الثانية للقانون داخل مجلس النواب، ولغرض إدانة الممارسات الإجرامية التي تعرضن لها نصت المادة (9) على اعتبار هذه الجرائم جرائم إبادة جماعية، وألزمت المؤسسات التربوية والثقافية بتبيان ذلك.
ورغم ان القانون يعد إلتفاتةً تشريعيةً عادلة، إلا أننا نظل ننتظر أمر تطبيقه وتنفيذ أحكامه على أرض الواقع ليحقق الأهداف المرجوّة من تشريعه.