محمد عبد الجبار الشبوط
يتظاهر هذه الايام خريجو الجامعات مطالبين الحكومة بتعيينهم. وهؤلاء الخريجون هم جزء صغير من شريحة اكبر هي شريحة العاطلين عن العمل حيث تبلغ البطالة نسبة
عالية.
من حيث المبدأ نعتبر كثرة عدد الخريجين الجامعيين ظاهرة حسنة في المجتمع، تعبر عن حيوية المجتمع وارتفاع المستوى الثقافي والعلمي فيه.
اما "العمل"، سواء بالشهادة الجامعية ام بغيرها، فهو، كما تقول المادة (22) من الدستور الدائم، "حقٌ لكل العراقيين بما يضمن لهم حياةً كريمةً".
والحياة الكريمة هدف اعلى يسعى المجتمع الى تحقيقه، وهو العنوان العريض لنوعية الحياة التي توفرها الدولة الحضارية الحديثة للناس.
لكن من يضمن هذا الحق؟
الجواب المباشر على هذا السؤال هو: الدولة. ففي دولة ريعية كالعراق يتوقع المواطنون، وهم اقرب الى "الرعية" ما دامت الدولة ريعية، ان تقوم الدولة بتوفير كل شيء لرعاياها، ومن هذه الاشياء: الدرجات الوظيفية. وهذه الدرجات يقبضها او يطلقها قانون الموازنة العامة لكل عام.
وقد لا نجد مثل هذا في دول حضارية حديثة اخرى حيث لا يعد الناس توفير الدرجات الوظيفية الحكومية من واجبات الدولة.
والقانون لا يتحرك في فراغ، فالمشرع ينظر الى قدرة الدولة على استيعاب العدد المتزايد من الخريجين كل عام. وهذه القدرة محدودة، ولا يمكن التعويل عليها الى ما لا نهاية. وعليه فان تكديس الخريجين في دوائر الدولة لا يمثل حلا حقيقيا لمشكلة البطالة، انما يقوم بنقلها من الشارع الى مكاتب الدولة حيث البطالة المقنعة في اغلب الحالات.
الحل السليم للمشكلة يكمن في معرفة العوامل الحقيقية المؤدية الى خلقها وتفاقمها. واي حل يتجاهل هذه العوامل هو وصفة لاستمرار المشكلة
لا غير.
يكمن السبب الاساس، كما يقول الكثيرون، في انعدام التوازن بين اعداد الخريجين الذين تدفع بهم الجامعة الى المجتمع، وبين الحاجات الفعلية لهذه الاعداد في سوق العمل الحكومي والاهلي. وهذا يتطلب تنسيقا عاليا بين السوق والجامعات، وهذا التنسيق غير موجود الان.
السبب الثاني هو ضعف سوق العمل نفسه وعدم قدرته على استيعاب العدد الاكبر من الخريجين. فلم يتحول القطاع الخاص الى نقطة استقطاب قوية للقادرين على العمل، كما هو الحال في دول حضارية حديثة، رأسمالية في اغلب الحالات.
اما العامل الثالث، وهو عامل ثقافي-اجتماعي فيتمثل في الميل الكبير لدى اغلب الشباب والشابات الى العمل الوظيفي المكتبي
الحكومي.
اجتماع هذه العوامل الثلاثة، وربما غيرها، من نتائج مشكلة اعمق هي الخلل الحاد في #المركب_الحضاري والقيم الحافة بعناصره الخمسة وهي: الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل. واي معالجة لمشكلة الخريجين، ولاطارها الاوسع اي مشكلة البطالة، خارج هذا التصور لا يمكن ان يكون مجديا لا على المدى المتوسط ولا على المدى البعيد. ولم اذكر المدى القريب لاني استبعد امكانية حل المشكلة بقرارات اجرائية سريعة.
من الاجراءات المتعلقة بمعالجة الخلل الحاد في المركب الحضاري ما يلي:
اولا، التنسيق التفصيلي بين الجامعات (وزارة التعليم العالي) وسوق العمل (وزارة التخطيط) للحد من الضخ العشوائي من الخريجين في سوق العمل.
ثانيا، دعم سوق العمل الاهلي تشريعيا و ماديا لتمكينه من استيعاب الخريجين.
ثالثا، وربما هذا هو الاهم، خلق فرص عمل في المجتمع ليس من ضمنها الوظيفة الحكومية، وهذا الخيار ممكن جدا في العراق على مستوى الزراعة والصناعة والخدمات وغير ذلك.
تظاهر الخريجون في الناصرية مطالبين بوظائف حكومية. استقبلهم احد اعضاء مجلس المحافظة وقال لهم انه سيفاتح الحكومة لاطلاق الدرجات الوظيفية. حل قصير النظر لا يعالج اصل المشكلة من جذورها.