ابراهيم سبتي
اتصل بي احد الاصدقاء المخرجين المسرحيين المعروفين ، يريد نصا مسرحيا اكتبه له . اعطاني خطوطه الرئيسة ، وعدد الشخصيات والزمان والمكان والفكرة . وفعلا اتفقنا على الوقت وكان مستعجلا عليه ، لأنه يريد عرضه في احدى المناسبات لصالح منظمة انسانية عراقية . في النص ثمة مواقف يقوم بها ثلاثة اشخاص . كل منهم يقوم يعمل ما يسهم في تعزيز حالة المصالحة. الاول فتى من الرمادي والاخر من البصرة والثالثة فتاة من اربيل .
يقوم الاول من الرمادي بمساعدة العائلة التي تتعرض لحادث على الطريق السريع الواصل بين البصرة و بغداد ، بنقل المصابين في سيارته الى مستشفى في مدينة السماوة . ويقوم الاخر من البصرة بنقل اخر شخص من العائلة الى المستشفى نفسه . وفي المستشفى تُجرى لهم الاسعافات الاولية فيما احتاج رب العائلة اجراء عملية جراحية سريعة لساقه اليمنى المكسورة التي نزفت كثيرا . وفي غرفة العمليات التي جهزت على عجل ، يخرج احد الاطباء ليخبر عائلته المتألمة من الحادث بضرورة التبرع ببعض قناني الدم , يتعذر ايجاد فصيلة دمه في مصرف الدم ويتعذر ايجادها لبعض الوقت حتى فتى الرمادي وفتى البصرة لم يطابق دمهما دم المريض . وفجأة تنهض فتاة كانت جالسة مع والدتها في احدى الردهات وتتوجه الى المختبر لفحص دمها الذي يتطابق مع دم الرجل الكسير . تعطي الفتاة ما جادت به من كرم وتنتفي الحاجة . وبعد ان يُجري حديثا وديا بين الفتاة وبين عائلة الرجل ، يتبين انها من اربيل . وهي هنا لفحص ضغط الدم لوالدتها الذي شعرت بتصاعده في طريقهما للعودة الى بغداد بعد ان زاروا قريبهم في البصرة . فرح المخرج بالنص وهلل له وقال بصوت جهوري ، بان العرض سيكون جميلا ولم يعترض على التفاصيل التي قمت بإضافتها مثل حادث السيارة والفتاة التي لم يكن قد ذكر دورها اصلا . بعد عشرين يوما من التدريب على المسرحية ، اتصل بي فرحا واخبرني بان العرض سيكون في الأسبوع المقبل وحدد اليوم والساعة لي ، قامت المنظمة الانسانية بعرض المسرحية على جمهور منوع من كل الاطياف وفي مناسبة عزيزة في قاعة كبيرة فامتلأت حتى اخرها بفعل الاعلان الذي قامت به المنظمة . بعد بداية العرض بربع ساعة تقريبا، نهض الجمهور مصفقا وهاتفا لتحية الممثلين الثلاثة. فتعالى التصفيق والهتاف الصادح مع كل جملة ينطقها احد الممثلين. ومن المفارقات التي أُعجب الجمهور بها ، ان الممثلين تم اختيارهم حسب محافظاتهم المكتوبة في النص وبانهم ادوا ادوارهم بحرفية عالية مع ان المخرج اكد بانهم يُمَثِّلُونَ لأول مرة . بعد انتهاء العرض قام الجمهور السعيد باحتضان الممثلين ومعانقتهم وقد رأيت بان الدموع تنهال من عيونهم وهم يضحكون فرحين فيما قام المخرج الذي أصْعَدنَّي معه الى الخشبة بان نحيي الجمهور معا باعتباري انا كاتب النص وهو المخرج ونحن نمسك بأيدي الممثلين الثلاثة . قام الجمهور بالتقاط الصور فيما كانت المشاعر تحلق في اجواء القاعة التي ازدحمت وغنت بحب البلاد ، اغنية بديعة الهبت الحماس واشعلت جذوة الحب العميق . طلب الجمهور بان يقوم كل ممثل بالتحدث لوحده لمعرفة مشاعره وهو يؤدي دوره . بالفعل قام فتى البصرة بالتحدث وكان في قمة سعادته وفرحه والابتسامة لم تفارقه. ثم تحدث فتى الرمادي والهب المشاعر بكلامه النابع من قلبه وختم كلامه بإشارة التكاتف التي صنعها بكفيه . وتحدثت فتاة اربيل بلغة عربية سليمة وبنبرة عراقية عاطرة وهي تبتسم بحب بلدها . كانت احاديثم قد اثبتت باليقين بان تراب العراق وناسه لا يفرقهم احد ويتعاملون وكأنهم واحد ويربطهم الماء والتراب والطيبة والبسمة العراقية الخالصة . صفق الجمهور طالبا اعادة العرض لأيام لاحقة . في الليل اتصل بي المخرج الصديق بان اكتب له نصا آخر سيعرضه في مناسبة اخرى مقبلة بعد شهرين .