الحالات التطبيقيَّة في عمل المصرف الإسلامي

اقتصادية 2019/07/30
...

صادق راشد الشمري  
 

المصارف الاسلامية تختلف عن المصارف التجارية في اساليب التمويل والتشغيل وتوظيف الاموال من خلال الاستغلال الامثل للموارد وفي مجالات تخدم وتفيد المجتمع وتطوره عن طريق مشاركة جميع الاطراف في الاستثمار.  وجذب زبائن ينظرون لوظيفة التمويل كونه يضع اموالهم في اساليب تمويلية واستثمارية حقيقية، اي ان محافظها الاستثمارية محمية بموجودات حقيقية ومرتقبة، وتكون عملياتها التشغيلية ذات مردود جيد للاقتصاد وبايجاد فرص عمل وانتاج منتجات من خلال المشروعات التي تقوم بتمويلها، وهذا بالتأكيد سيؤدي الى أهميتين اساسيتين من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. 

فالاقتصادية من خلال ايجاد مجالات استثمارية للاموال بحيث تؤدي الى تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وكذلك تؤدي الى تحقيق التوازن بين عرض النقد وعرض السلع بالضرورة يؤدي الى تخليف الضغوط التضخيمية الناجمة عن زيادة الاتفاق وايضاً تسهم في تحويل الاموال من المضاربة بالسلع غير المنتجة الى استثمار منتج يؤمن منتجات، وايجاد فرص عمل لشرائح واسعة من المجتمع. 
اما الاجتماعية فايضاً تقوم اساساً على قيم وقواعد الشريعة الاسلامية، وهدفها الاساس في الاستثمار الانسان باعتباره المحور الاساس في العمل لغرض تحقيق منفعة المجتمع والفرد وتعزيز التكافل الاجتماعي وعدالة التوزيع، اي انها توفر فرص عمل وتنظيم الاجور حسب جهد الانسان لتحقيق الانتاج لسلع وخدمات تغطي حاجات المجتمع (وفي تحقيق عدالة التوزيع وتخفيف حدة البطالة). 
على سبيل المثال : 
ان المصارف الإسلامية ملزمة بتملك السلعة او البضاعة قبل بيعها او التصرف فيها وان قيام المصرف بشراء السلعة وقبضها يختلف بحسب حال السلعة، والعبرة في انتقال الملكية شرعا بتراضي الطرفين لقول الرسول(ص) (انما البيع عن تراضٍ)  أي ان تملك المصرف للسلعة او البضاعة (كالسيارات مثلاً) يمكن ان يكون بالشراء عبر الاتصال او أي أجهزة اتصال ..... فتنتقل ملكية السيارة شرعا للمصرف. ويكون قبض البضائع والسلع قبضاً حقيقياً او حكميا بالتخلية او التمكين بأن تتواجد السيارة في مخازن التاجر، علماً ان ملكيتها الى المصرف، ويتحمل المصرف تبعة تلف او هلاك السلعة بعد تملكها بأن تكون في ضمانه، مع ضرورة وجود وحدات خاصة للتدقيق الشرعي تتأكد من هذا التملك.
- اما اذا حصل أي خطأ فان للهيئة الشرعية ان تقوم بتجنيب أرباح هذهِ المعاملات التي لا تلتزم بهذا الشرع وتدرجها في ضمن (وجوه الخير) وتقاس على هذهِ الحالة (عقود المرابحة) عندما تكون منضبطة بتملك المصرف للسلعة (او السيارة) ثم بيعها بالمرابحة فلا يوجد ما يمنع ذلك شرعا.
- وأحيانا قد تقوم المصارف بتوقيع عقد (وعد ملزم) يوقع عليه الزبون او يأخذ منه (هامش جدية) وهذهِ الحالات تستخدمها المصارف في حالة شرائها للسلعة بناء على طلب الزبون وتستخدم لدرء بعض مخاطر نكول الزبون عن الشراء واضطرار المصرف لبيع السلعة والخسارة فيها، فعند ذلك يقوم المصرف باستيفاء مقدار الخسارة (من مبلغ هامش الجدية) اما اذا لم يخسر المصرف او استطاع رد السلعة فلا يأخذ من الزبون شيئاً ويلزم المصرف بأعادة مبلغ هامش الجدية الى الزبون. 
- تلتزم هيئات الرقابة الشرعية بأن تكون فتواها متطابقة مع المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (الايوفي) بالإضافة للهيئة الشرعية المركزية (ان وجدت).
- توجد حالات كثيرة للتوظيف وكذلك على سبيل المثال الاجارة المنتهية بالتمليك، اذ ان البعض يعتبرها بيع بالتقسيط علماً ان الاجارة المنتهية بالتمليك تأخذ حكم الاجارة في جميع الأحوال (وهذا ما سيرد ايضاحه لاحقاً) بموضوع الاجارة اذ ان المصرف يتحمل تبعة هلاك (السلعة او العين) خلال فترة الاجارة لان المصرف يعتبر المالك لهذهِ (العين او السلعة) كما يتحمل الصيانة الرئيسة (للسلعة او العين) والتأمين عليها لانها ملك للمصرف، لأن العقار سينتقل لاحقا للمستأجر بموجب عقد بيع مستقل لا علاقة له بعقد الاجارة ، واما ما يمكن ان يدعى انه (اجارة صورية) وبيع مستور حقيقة فهي العقود التي لا تلتزم بهذهِ الضوابط والقيود المنظمة لهذا العقد حسب المعيار الشرعي.
  مع ملاحظة : ان المصرف الإسلامي عليه ان يمتلك (العقار او العين) قبل قيامه بتأجيره كما يسجل العقار باسم المصرف في اغلب الأنظمة التي تسمح بذلك.
ان المعايير الشرعية الصادرة عن (الايوفي) قد اجازت الاجارة المنتهية بالتمليك واجازتها أيضا العديد من الهيئات الشرعية، وقد تم وضع ضوابط خاصة تلتزم بها المصارف الاسلامية وهي صيغة مهمة لمن يرغب في تملك العقارات وغيرها.
اما ما يتعلق بالتورق التي تقوم به المصارف الإسلامية وبعض الإشكاليات فسنطرح بعض الارأء بشأنه.
- البعض يعتبر بأن التورق هو نوع من أنواع بيع العينة او مجرد الحصول على سيولة بأساليب خارجة عن الشرع. 
- ونود ان نوضح بأن التورق الذي تجريه المصارف الإسلامية ( هو بيع بالمرابحة) اذ ان المصرف يشتري ويتملك (السلعة او العين) ثم بيعها للزبون (بالمرابحة) يعني بما قامت عليه السلعة من تكلفة مع إضافة ربح متفق عليه بين الطرفين. ويقوم الزبون بدوره ببيع هذهِ السلعة على طرف اخر للحصول على النقد (او السيولة) او يوكل طرف ثالث غير المصرف ببيعها. وتكون من ثلاثة اطراف بشرط عدم التعاقد على إعادة (السلعة او العين) للبائع الأول، اذ يقوم الزبون ببيع السلعة على تاجر يختلف عن التاجر الأول، وهو بعكس (بيع العينة) التي لا تنتقل فيها السلعة وتعود الى مالكها الأول.
- وعليه فان التورق الذي تجريه المصارف الإسلامية قد تم اجازته من قبل مجمع الفقه الإسلامي الدولي في قراره رقم 179 (19/5) ومنع التورق المنظم والعكسي) لما فيه من تواطئ بين الممول والمستورق (الزبون) واجاز المجمع في هذا القرار (شراء المستورق سلعة بثمن مؤجل لكي يبيعها نقداً بثمن (اقل غالباً) الى غير من اشتريت منه (طرف ثالث مستقل) لغرض الحصول على السيولة النقدية، وهذا ما أجرته المصارف الإسلامية لتمويل الافراد وقد تجنب جميع الشبهات الموجودة اذ ان المصرف لا يتدخل في عملية البيع الأخيرة التي يجربها الزبون مع التاجر نفسه او عن طريق شركة (الوكيل) كما بإمكان الزبون الحصول على (السلعة او العين) وبيعها بمعرفته متى رغب في ذلك لغرض تأمين السيولة النقدية له، وعليه فان التورق في المصارف الإسلامية قد أجيز من قبل مجمع الفقه الإسلامي.
- كان الخلاف في (التورق المنظم) الذي يكون المصرف مشترياً بالاصالة (للعين او السلعة) وبائعاً لها بالوكالة عمّن اشتراها منه (الزبون) وقابضاً لثمنها ممن بيعت له (طرف ثالث) ومودعا للقيمة في حساب الزبون فمنعه البعض كي لا يستغل هذا العقد من لا يراعي احكام الشريعة فيجعله صوريا، وعليه فان الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية حرصت على ألاّ تتوكل عن الزبون في البيع). 
وهذا لا يمنع ان كانت السلعة والبضاعة المستخدمة في التورق محلية او خارجية طالما وجدت تلك البضاعة وامكن شراؤها شراءً حقيقياً وامكن تسلمها حقيقية وحكما (بالفرز او النقل 
والتخزين). 
- وقد أجيز التورق (للحاجة) ولكن ليس بديلا عن صيغ البيوع الأخرى كالاجارة والمشاركة وغيرها.
وذلك للحاجة التي تلبي طلب الزبائن وحاجتهم للنقد ولعدم إمكانية تلبية تلك الرغبات لسداد الديون ودفع الرواتب وغيرها من خلال المنتجات الإسلامية الأخرى، ومن هذهِ الأغراض كالزواج والعلاج والتعليم ومواد البناء والاستثمارات وتحقيق رغبات الزبائن فيه نوع من المساهمة في خدمة المجتمع وتحريك السوق واستفادة جميع اطراف التعاقد. 
اذ ان المصرف يستفيد (من ربح البيع) والزبون يستفيد (من النقد) اما التجار فانهم يستفيدون  من تحريك سلعهم، علماً ان هيئات الرقابة الشرعية تؤكد عدم التوسع في مثل هذا التمويل الا في حالات الحاجة الملحة ... 
ويمكن ان نضع أمام القارئ الكريم بعض الايضاحات بخصوص (بطاقات الائتمان) اذ ان المصارف تختلف في تكييف بطاقات الائتمان بحسب العقد والالية المعتمدة من المصرف، ولعل المتوافره حالياً هي بطاقات القرض الحسن مقابل احتساب رسوم على الخدمة اذ ان المصرف يتحمل مصروفات على اصدار هذا النوع من البطاقات تختلف وفقاً لاختلاف ميزاتها وانواعها، وان المصرف يدفع رسوم اشتراك في عضوية المنظمة صاحبة البطاقة بالإضافة الي تكاليف توفير المنافع والخدمات التي تقدمها البطاقة وهذا الرسم يمكن تحصيله مرة واحدة سنوياً او تقسيطه شهرياً ولذلك تؤخذ هذهِ الرسوم وإن لم يستعمل الزبون البطاقة فهذهِ الرسوم ليست مرتبطة بالقرض الحسن ارتباطا مباشراً. 
اذ ان المصرف يحدد مقدار الرسوم في العقد ابتداءً بمبلغ مقطوع وليس بنسبة معينة في المبلغ المقترض ولا يجوز للمصرف زيادتها عن الحد المتفق عليه بينما يحق له التنازل عنها او عن جزء منها، اذ ان المصرف الإسلامي يقدم لزبائنه خدمة السحب النقدي من بطاقة الائتمان وتتحمل هذهِ المصارف بعض التكاليف نظير إيصال هذهِ الأموال للزبون في أي وقت وفي أي مكان وبأي عمله يرغب فيها، لهذا تأخذ بعض الرسوم المحددة عليها.
- اما بالنسبة لقيام المصرف الإسلامي بالاستثمار في صيغ مختلفة وخصوصاً المضاربة اذ انه يدير حسابات الودائع الاستثمارية لجميع الزبائن عن طريق المضاربة بصفته مضارباً والزبون ربا للمال، وما يتحقق من ربح يوزع بحسب الاتفاق وهذهِ المبالغ المودعة في حسابات الزبائن ناتجة عن هذا الاستثمار، ويمكن ايداعه شهريا او سنويا بحسب الاتفاق. 
- كما ان المصرف يستثمر أموال المودعين الذين لهم الحق في سحبها في أي وقت في استثمارات قصيرة المدى وذات مخاطر قليلة لهذا تكون عوائدها قليلة بالإضافة الى ان حجم المحفظة الاستثمارية يؤثر في هذهِ الأرباح وفي أحيانا يقوم المساهمون بالتنازل عن جزء من ارباحهم لدعم أرباح حسابات الودائع
 الاستثمارية. 
- كما ان المصرف لا يجوز له منح ربح محدد لكونه من قبيل ضمان الربح ورأس المال (الممنوع شرعاً) ومن خلال الأرباح المتوقعة او ما سبق ان حققه لسنوات سابقه او من خلال دراسات جدوى انه يثبت مقدار الربح تأريخياً او بيان المتوقع منه والربح المتوقع غير ملزم للمصرف اداءً. وبعض الأحيان قد يلتزم المصرف بربح ثابت اذ كان دخل المحفظة الاستثمارية ثابتاً كالاستثمار بصيغة السلم او الاجارة.
- وقد تقدم المصارف الإسلامية جوائز على سبيل (الهبة او الهدية) من المساهمين للمودعين ولا تخصم من أرباح استثمارات أموال مدخرات الزبائن ولا يتحمل المودع تكلفة هذهِ الجوائز كما ان هذا الحساب الخاص بالجوائز يأخذ حكم حساب التوفير القائم على المضاربة بحيث تستثمر هذهِ الأموال الموجودة به حسب نظام المصرف وتمنح رب المال (المودع) ربحه بحسب
 الاتفاق.
علماً ان حسابات الزبائن الموجودة في المصارف الإسلامية معرضة للربح او الخسارة تتلافاها المصارف الإسلامية من خلال وضع او احتجاز احتياطات اجبارية واختيارية تضعها المصارف الإسلامية لتجنب أي خسارة او هزات او في حالة انخفاض الأرباح عن معدل أرباح السوق.
- كما لا يجوز للمصارف الإسلامية في حالة (الوكالة بالاستثمار) تحديد (ربح ثابت) عند الوكالة اسوة بالمضاربة ويمكن ان يكون ذلك على سبيل التوقع على انه يمكن الالتزام بعدم الدخول في استثمارات لا تحقق ربحاً لا يقل عن حد معين.     
 
بعض الملاحظات عن بعض من البيوعات المحرمة 
تحريم بيع الذهب والفضة متفاضلاً سواء كان حاضراً او غائباً الا مثل بمثل سواء او يداً بيد فان اختلفت اجناسهما فبيعوا كيف شئتم/  فمعلوم ان الذهب بالذهب لا يجوز فيه النساء ومعنى النساء هو تأخير احد البدلين عن الاخر، وكذلك الذهب بالفضة لا يجوز فيه النساء، اما الذهب بالقمح فيجوز فيه النساء، ولم يشترط الحنفية في الاستصناع تعجيل الثمن بل يجوز عندهم تاخيره، اما عقود السلم اذا انعقد بلفظ السلم او السلف وجب تعجيل رأس المال فيه في المجلس ولكن اذا انعقد بلفظ البيع لا يشترط فيه تعجيل رأس المال.  اي ان ربا النساء يكون في تعجيل احدهما وتأجيل الاخر او تأجيلها الى اجلين مختلفين وهذه الحرمة مخصوصة بالاموال والمبادلات الربوية حيث يكون البدلان متجانسين او متقاربين اما اذا كان البدلان مختلفين فلا تنطبق هذه الحرمة عليهما. 
وهناك خلاف عند المالكية في صحة قياس الفلوس على الذهب والفضة. 
الروايات عند الامام مالك دائرة حول تحريم تاجيل احد البدلين عند بيع الفلوس بالفلوس او باحد النقدين او اباحة او كراهة والخلاف ايضاً في التفاصيل عند بيع الفلوس ببعضها فالخلاف قوي جداً في المذاهب. 
مثلا : ان اراد شخص ان يصرف في المصرف عملة من الذهب بعملة من الذهب وسلم احدهما عملته والاخر اجل تسليم عملته الى اجل فهذا لا يجوز لانه فقد شرط المقابضة (يداً بيد) اي التساوي في الزمن وكذلك الفضة بالفضة والذهب بالفضة والعكس كل ذلك لا يجوز فيه الدين مطلقاً. (ربا نسئية) هو رب قروض. 
وربا بيوع :- ربا افضل 100 غرام ذهب معجلة بـ 101 غم ذهب معجلة فيها ربا فضل. 
وربا نساء هو ليس نسئية الديون تشمل القروض والبيوع فالبيوع الأجلة هي نوع من الديون اي اذا كان فيه البيع بتأجيل فـ(الثمن) يكون فيه الثمن هو (الدين). 
والبيع الذي يتأجل فيه (المبيع) هو بيع السلم يكون فيه المبيع هو الدين علماً ان ربا الفضل هي زيادة الكمية بدون تاجيل الزمن/ وربا النساء هو تاجيل الزمن (هو التاخير) دون زيادة الكمية (اي باعه بدين). (مليون بيع 1 مليون دينار) بـ 1,050 دينار (مليون وخمسون الف دينار). 
فيجوز لكن بشرط التقابض في مجلس العقد واذا اردنا بيع (1200 دينار عراقي) بـ 1000 دولار امريكي جاز التفاضل والنساء (او 700 دينار اردني بـ 1000 دولار امريكي) جاز التفاضل 
والنساء. 
*خبير مالي ومصرفي دولي