ريسان الخزعلي
لون الثلج والورد بالليل، مجموعة الشاعر الراحل عزيز السماوي الصادرة في بيروت العام 1980 بعد أن غادر العراق اضطراراً العام 1978، هي المجموعة التالية لمجموعته (أغاني الدرويش) الصادرة في بغداد العام 1974. وقد سبقَ وأن شارك في مجموعتين مع شعراء آخرين هما: قصائد للمعركة وخطوات على الماء، كما واصدر لاحقاً مجموعتين في المنفى: النهر الأعمى وبانوراما عراقية. والسماوي من الشعراء المجددين في الشعر الشعبي العراقي الحديث منذ نهاية الستينيات، وقد اختطَّ له لوناً شعريّاً مغايراً لمجايليه حيث اللغة الايحائية والتشكيلات الصوريّة اللونيّة ذات الدلالة الرمزية. وكثيراً ما كان يهتم بنائياً بالقصيدة المركّبة الطويلة التي تتداخل فيها الموضوعات والافكار باستطرادات تتبرعم جانبياً ابتعاداً عن مركز القصيدة.
تضمُّ مجموعة (لون الثلج والورد بالليل) أربع قصائد طويلة: النهر آه النهر، مجنون هذا الجسم، لون الثلج والورد بالليل، المسافر. والقصيدة الاخيرة مرثية الى الشاعر الراحل (طارق ياسين) الذي أهدى له المجموعة ايضاً تأكيداً لعمق الصداقة والأهمية الشعرية. كما أنَّ المجموعة قد تجمّلت بغلاف وتخطيطات للفنان (فيصل لعيبي) الذي تمثّلَ القصائد بصريّاً. وفي نهاية المجموعة دراسة بعنوان (شعر الاستحالات المتدفق باليقين) بقلم (سالم الفرات) وهو الاسم المستعار للشاعر (علي الشباني)..، وقد جاءت الاستعارة لأمور احترازيّة. ورغم أنَّ المناخ الشعري في المجموعة لايبتعد كثيراً عن مناخ معظم قصائد (أغاني الدرويش) ..، إلّا أنَّ التجريد كان يتمثّل بأعلى مستوياته وكأنَّ الشاعر في مراودة شيءٍ عصيٍّ على
الاستحضار.
وهكذا تتزاحم التنويعات الفلسفية والفكرية والسياسية والروحية والنفسية في دورة القصيدة بإيقاعات متداخلة تطول وتقصر، يربطها خيط سرّي، رفيع ودقيق، لا يمكن مسكه بسهولة إلّا بتمعنٍ عالٍ، ومثل هذا التشخيص قد اشارت اليه دراسة (سالم الفرات) التأويلية في أكثر فقراتها.
يِدوي .. ايبلل القمصان الوان إوترافه وصوت
من يدري اللمس دوّخ اصابيعك
يوج.. وردات غفله الصوت ..
تنطر للصبح بلجن حلمها ايفوت
واتعاشر الماي ابزود.. واتعاند الماي ابلمس .. ميموت
إوياخذها الحجي الناعم ..
بين البرد،
بين الضوه،
بين اللون،
واتجيس الجمر بسكوت.
لون الثلج والورد بالليل، تكتسب اهميتها الفنية والجمالية من مغايرتها للنمط، المغايرة التي تُعارض وتُعاكس السهولة والبساطة اللتين يُراد منهما أن تطوّقا وتحصرا القصيدة الشعبية في أفقٍ محدود بعيداً عن الأفق الأوسع، والسماوي في أفقهِ يكوّن للثلج والورد لوناً خاصاً في الليل.