« الدجيلي» وشعر الأغنية

ثقافة 2018/11/09
...

 ريسان الخزعلي


 

الشاعر الراحل زهير الدجيلي كتب الشعر الشعبي مبكراً وبأسبقية تتقدم زمنياً على مجايليه، ومنذ الستينيات كان ينشر قصائده في جريدة (كل شيء) البغدادية لصاحبها عبد المنعم الجادر. ورغم تلك الاسبقية الا انه لم يحقق تطوراً شعرياً يُستدل به فنياً مقارنة ً بالتحولات التي شهدتها القصيدة الشعبية منذ التجربة النوابية الرائدة والتجارب التجديدية اللاحقة لها.ويبدو انه قد ادرك موقفه الشعري الفني، بحيث لم يشارك في القراءات الشعرية في مهرجانات الشعر الشعبي الخمسة المهمة ( 1969 – 1973 ) واكتفى بحضور مهرجان أو مهرجانين كمستمع، لكنه سرعان ما يغادر بعد يوم من وقائع الجلسات، كما انه لم يصدر اية مجموعة شعرية.الشاعر متعدد الاهتمامات الابداعية: عمل رئيساً لتحرير مجلة الاذاعة والتلفزيون، كتب العديد من السيناريوهات والحوارات لأفلام عراقية، كما كتب الكثير من المسلسلات  وبرامج الاطفال لإذاعات وتلفزيونات في دول الخليج العربي.
وجميع هذه الاعمال قد حققت نجاحها وحضورها، لكنها بالتأكيد قد شغلته وتشاغل بها وابعدته عن مساحة الشعر الشعبي وتطوراته.إنَّ عمله في دائرة الاذاعة والتلفزيون في السبعينيات جعله على مقربة وتماس مع الملحنين المعروفين، واستطاعوا التعامل مع بعض قصائده، واستلوا منها عينات شعرية تُطاوع اللحنية السبعينية الجديدة، وقدموها اغنيات، شكّلت مع غيرها لشعراء آخرين، تحوّلاً غير مسبوق في شكل وبناء واداء الاغنية العراقية، وما زالت تلك الاغاني مستمرة الحضور، ولا نُجافي الحقيقة حين نقول: انها تُمثّل التصعيد الاعلى في مسار تطور الاغنية العراقية، شعراً ولحناً واداءً.
من اشهر قصائد الدجيلي المغناة «ياطيور الطايرة، هوى الناس، مكاتيب، جنّة هلي أو محطات، حسبالي، امغربين، البارحة ، يانسمة ، ينجوى ، المطار ، امراضيتك ، دور بينه ياعشكَ دوّيرة «. ولو لم تُلحّن هذه القصائد ، لكانت في عداد المنسيات، وما كان لها ان تصلنا كقصائد كما وصلتنا أغنيات، كون اللحن يُضيف طاقة تصعيدية اضافية للكلام الشعري.وهكذا تحقق الحضور النوعي للشاعر من خلال تلك الاغاني، وما كان مثل هذا الحضور ان يتحقق لو لم يكن شاعراً بالاساس.من قصائده التي لم تُلحّن، (مكاتيب من فدائي الى وطنه) وهي تعتمد البناء المقطعي واللازمة المتكررة في نهاية كل مقطع، ولو قُدّرَ لها ان تُلحّن لكانت علامة أخرى في الاغنية العراقية.
إنَّ استعادة الدجيلي من خلال الاغنية، لا تعني اختزال اهميته الشعرية، فهو شاعر واضح البصمة في حدود تجربته ولونه–تلك الحدود التي اشرنا اليها في استهلال القول، الا انَّ قصائد الدجيلي المغناة كانت الكشف الالمع في بريقه الشعري:
ولك لمني كَشر جوز ابحلاتك وانت َ لب
هب فرد مرّه نسيم اعذيبي شوف اشلون اهب
ولك لمني مو طشني الدهر طش الخرز وابلايه عَد
عين تستاهل واكَلّك بالعمه إو ياحوبتي الما الها حد .
رحل الدجيلي ولم يترك لنا ديواناً شعرياً ، لكنه ترك ديواناً من الاغاني