المكسيك ترفض فصل الأطفال عن أسرهم

بانوراما 2019/08/02
...

ديبورا بونيلو
ترجمة: شيماء ميران
يخفي مظهر الطفل ماهيكول ذو الاثني عشر عاما رحلة الأسابيع الطويلة التي خاضها للوصول الى مدينة تاباتشولا الحدودية جنوب المكسيك، فكانت بشرته صافية ونظيفة، وشعر رأسه مجعّد طويل محلوقٌ خلفه وجانبيه، مرتديا قميصا ملوّنا أكمامه مرفوعة الى الكوعين، ترتسم على شفتيه ابتسامة إلّا ان عينيه تظهران العكس.
وكان الصغير ماهيكول ممتناً جداً لحصوله على بعض الملابس الجديدة والاستحمام ولطف السكان المحليين. وربما لا تكون كثيرة لكنه افضل حالا مما لو كان قد عاد الى منزله في الهندوراس.
يقول ماهيكول "أرادت عصابة مارا سالفاتروتشا انضمامي لكن ابي رفض ذلك، وقالوا بأنّهم سيقتلوننا"، وهذه العصابة هي احدى عصابات الشوارع التي تسيطر على مساحات واسعة من مدن اميركا الوسطى في السلفادور والهندوراس وغواتيمالا، وهو السبب الرئيسي الى جانب الفقر وتغيّر المناخ الذي يدفع الناس للتوجه الى الشمال.
ماهيكول أحد آلاف الأطفال المهاجرين الذين يدخلون المكسيك بأعداد غير مسبوقة من أميركا الوسطى، لكن غايته لم تكن أميركا بعد اعلان الرئيس دونالد ترامب رفضه لمزاعم اساءة معاملة الأطفال الذين فُصل العديد منهم عن أسرهم، ليبقى ماهيكول والأطفال الآخرون في المكسيك، ما أجبر ادارة الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، المعروف باسم "أملو"، لتبني حل سريع ومعالجة مشكلة أزمة الأطفال المهاجرين بطريقة تسمح له بتقديم نفسه ترياقا لترامب في موضوع الهجرة.
فهل سيتمكّن الرئيس أوبرادور من التعامل مع تدفق الأطفال على طول الحدود المكسيكية الجنوبية أفضل من نظيره الاميركي؟
 
بروتوكولات جديدة
تقول السلطات في البلاد ان ما يقدّر بـ 7409 أطفال قدموا طلبات للجوء في المكسيك خلال العام الماضي، مع ان اغلبهم كان راغبا لتقديمه في اميركا. وبحسب ارقام اللجنة المكسيكية لمساعدة اللاجئين COMAR فإن 5542 طفلا قدموا طلباتهم في أول أربعة أشهر من عام 2019 فقط. ووصل من بينهم 213 طفلا من غير ولي أمره للفترة ما بين شهري كانون الثاني ونيسان، مقارنة بـ 356 طفلا في عام 2018 بأكمله.
وقد توفيت في 16 آيار الماضي طفلة مهاجرة من غواتيمالا تبلغ من العمر عشرة أعوام كانت تحت وصاية الحكومة، وهي الأولى تحت وصاية الرئيس أوبرادور.
وتسعى حكومة المكسيك الآن الى التأقلم وإيجاد بروتوكولات جديدة لتجنّب المزيد من الوفيات ولضمان عدم مواجهة الأطفال مثل ماهيكول لمصير مشابه لنظرائهم على الحدود الأميركية. ولم يكن مقدرا للبلاد أن تواجه أبداً أزمة كهذه، لذلك حتى الآن لم يكن لها سياسة رسمية لمعالجة فيض الأطفال المهاجرين. وبالتعلّم من خبرة ادارة ترامب، وضعت وكالات حكومية مكسيكية متعددة في الشهر الحالي مسلكا جديدا للأطفال المهاجرين يُشدد على المسؤولين عدم حجز الأطفال وترحيلهم، بل ينبغي ابقاؤهم مع أسرهم. وتضم القوانين أيضا خططا لإنشاء ملاجئ جديدة ومساحات في شبكة دور الرعاية للتعامل مع عدد الأطفال المسجلين.
وستكون المصاعب التي تواجهها السلطات المكسيكية جلية في مدينة تاباتشولا الحدودية جنوب المكسيك؛ فالأطفال الرضع واليافعون ينامون على الأرض في ساحة عامة لا يرتدون سوى حفاظاتهم وسط حر جنوب المكسيك الاستوائي، اما أهاليهم فيجلسون حولهم بانتظار المساعدة. وتقول رئيسة COMAR لمدينة تاباتشولا ألما ديليا كروز " ان الامور تزداد تعقيدا".
 
حلول مواجهة الأزمة
لم يكن أوبرادور مستعدا للأزمة في كانون الثاني الماضي، إلّا أنّه بعد فترة قصيرة من تسلّمه المنصب قام بتسريع طلبات اللجوء المقدمة، وواجه تدفّق المهاجرين غير المسبوق الباحثين عن البقاء في المكسيك بدلا من الرحلة المضنية الى الحدود الأميركية، ما جعل حكومة البلاد الفيدرالية تتراجع. عملية تقديم الطلبات لآلاف المهاجرين في كانون الثاني السابق كانت تستغرق أياما قليلة، أما الآن فتستغرق ثلاثة أشهر على الأقل ان لم تكن ستة، ويعتمد المعهد الوطني للهجرة بشكل كبير على تأشيرتي دخول مختلفة ومؤقتة تسمح للمهاجرين بالعيش والعمل فقط على الحدود او ضمن الولايات المحيطة بها، وقام أوبرادور كذلك بتخفيض عشرين بالمئة من موازنة اللجنة المكسيكية لمساعدة اللاجئين  COMAR، أي من 25 مليون بيزو (1.3 مليون دولار) الى عشرين مليون بيزو (مليون 
دولار).
لكن ذلك لم يمنع آلاف المهاجرين، بينهم أطفال كثيرون، من عبور نهر سوشياتي الفاصل بين المكسيك وغواتيمالا. وعجز الرئيس أوبرادور عن تجنّب أزمة المهاجرين التي واجهها ترامب، فوجد نفسه مجبرا على ايجاد حلول مختلفة عن الحل المثير للجدل الذي تبنّاه نظيره الشمالي.
ويشير مسؤولون مقرّبون مطلعون على الاجراءات المكسيكية الجديدة أنّ "المسالك" ستحتوي على قوانين تضمن بقاء أحد الوالدين على الأقل مع الأطفال في الملاجئ الحكومية أو دور رعاية الأطفال، اذا ما تم احتجاز العوائل من غير أوراق هجرة قانونية؛ فلن يتم اعتقال الأطفال مع أي فرد بالغ آخر في العائلة داخل مراكز احتجاز المهاجرين عند التعامل معهم. وبحسب مسؤولين حكوميين، طلبوا عدم ذكر اسمائهم، ان البروتوكولات لا تزال قيد الانجاز، ولن يتم فصل الأسر بالترحيل، على خلاف ما حدث على الحدود الأميركية.
 
من العصابات الى المافيا
مع كل ذلك فالقول أسهل من العمل. يقول الوصي على الطفل ماهيكول أنجيل ميندوزا إنه قد تم احتجازهما سوية لمدة شهر. وتؤكد مسؤولة حماية الأطفال التابعة لمنظمة اليونسيف في المكسيك دورا جيوستي: "التحدي الآن يكمن في ايجاد مساحات للرعاية البديلة كي لا يبقى الصغار في مراكز احتجاز المهاجرين، وحاليا من غير الممكن أن نضع جميع الأطفال في الملاجئ الموجودة". 
وأوضحت دورا أن اليونسيف تعمل بالتعاون مع وكالة الخدمات الاجتماعية المكسيكية الفيدرالية لبناء الملاجئ المفتوحة ودور الرعاية، كما تثمن الخطوات التي اتخذتها حكومة أوبرادور حتى الان، مضيفة ان الوكالة التي تعمل فيها تضاعف وتسجل أشخاصاً للتعامل مع الأعداد الجديدة.
ولكن يبقى صغار المهاجرين في خطر هائل في المكسيك. ويقول أهالي وأوصياء الأطفال بعيدا عن الأمراض، فإن رحلة الأطفال المهاجرين ليست بمنأى أيضا عن العنف والاساءة والاختطاف وحتى القتل. كما يقول انجيل في اشارة الى الجريمة المنظمة "ان الأطفال هم من تتم ملاحقتهم أكثر من غيرهم، فالمافيا هنا في المكسيك ستنتزعهم مباشرة من أيديكم".
إنّ الأشهر القليلة المقبلة ستكون حرجة في تحديد ما اذا ستتمكن حكومة أوبرادور من اثبات قدرتها على تطبيق استراتيجيتها الجديدة لحماية أغلب المهاجرين غير الآمنين في بلادها؛ ففي نظام هجرة يشتهر بقلة كفاءته وشفافيته، فلا يوجد هناك ضمان لنجاحه. لكن هناك الكثير على المحك بالنسبة لكل من الأطفال اليائسين وأسرهم والرئيس أوبرادور وجهوده لتكوين تركة مختلفة عن ترامب.