في حديث لي العام 2001 مع الملحن محمد نوشي (1935 - 2004) استوقفتني جملة قالها وهي أنّ (المطرب حضيري ابو عزيز كان اول سفير للاغنية العراقية) !!، وحين أدهشني قوله اضاف : (سافر الى بلاد الشام وغنّى على مسارحها وربطته علاقات جيدة مع المطربين العرب مثل فريد الاطرش ووديع الصافي)،
هذا الكلام لم يطرح على نطاق واسع ولم يبحث فيه احد مع الذكر المستمر لثلاثة مطربين باعتبارهم السفراء للاغنية العراقية وهم حسب التسلسل : ناظم الغزالي (1921 - 1963)، سعدون جابر ومن ثم كاظم الساهر، حينها قررت ان اتوخى الدقة والحذر في اعلان ذلك وقد وضعت امامي ان انطلاقة الغزالي خارج حدود العراق كانت في الخمسينيات من القرن الماضي، فيما كانت شهرة ونجومية حضيري في الاربعينيات، ورحت ابحث في الاوراق القديمة للمطرب حضيري (1909- 1972)، فقد هالني عدد الاغنيات التي غناها والاسطوانات التي سجلها يوم كان نجما ريفيا ومن ثم صار نجما (افنديا) يرفل بالشهرة التي تترامى في ارجاء البلدان التي ميزته واستمع اليه جمهور عربي كبير معجبين بأغانيه وصوته الجميل المميز، وقد وجدت انه سافر الى بلاد الشام نهاية الثلاثينيات والتقى عددا من المطربين العرب، وان هذه الزيارة فتحت أمامه آفاقا جديدة، إذ تمت دعوته للغناء في بعض البلدان العربية وانتشار أغانيه
هناك.
دفعني البحث الى كتاب (من الذاكرة) للاذاعي الكبير الراحل سعاد الهرمزي الذي يشرح تهافت شركات الاسطوانات على التسجيل لحضيري ابو عزيز، في العام 1937 حيث شركة سودا الوطنية التي كان مقرها حلب بسورية، التي تعاقدت مع حضيري ابو عزيز ويؤكد الهرمزي (يكاد يكون هذا التعاقد نقلة نوعية في حياة المطرب حضيري إذ تمكن من خلاله من التعرف على المطربين والمطربات العرب الذين تعاقدت معهم الشركة في حلب وكان هذا اللقاء إضافة رقم الى قائمة شهرته على مستوى الوطن
العربي.
فقد تأثر به الكثيرون من المطربين والمطربات وعلى رأسهم الموسيقار محمد عبد الوهاب ووديع الصافي ومن هنا توطدت علاقته كثيراً مع غالبية المطربين العرب ولا مبالغة ان قلنا بأنّهم استفادوا من تجربته الخام باعتبار جميع تجاربهم كانت مطروقة من قبل المطربين في بلدانهم، الا ان هذا المطرب الفتى الناشئ صاحب الصوت العذب والطلعة الجميلة والخلق النبيل أثر في هؤلاء تأثيراً كلياً فكان في هذا التسجيل نجماً متألقاً بالفن والخلق والاخلاق فكان خير رسول فني ممثل للبلد والغناء
الريفي.
كما يؤكد الهرمزي بشكل ملفت على ان حضيري هو اول من نشر الاغنية العراقية في الوطن العربي، فيقول عن ذلك: “لقد برز المطرب حضيري ابو عزيز من خلال ما سجله لشركة سودا الوطنية بروزاً منقطع النظير على الساحة العربية مطربا ريفيا متميزاً اثر في الادب الغنائي تأثيراً لم يؤثره مطرب من المطربين الكبار
المشهورين”.
لا بدَّ من الاشارة الى ما قاله الهرمزي نقلا عن صديقه الفنان وديع خوندة الذي يؤكد اهتمام الموسيقار محمد عبد الوهاب بغناء حضيري والاستفادة منه، فقال: “حدثنا الفنان وديع خوندة بأنه تقابل مع الموسيقار محمد عبد الوهاب في بيروت العام 1951 وقد كان المطرب محمد عبد الوهاب قد استمع الى صوت حضيري واغانيه فطلب من الفنان وديع خونده ان يسمعه لحناً من الحان حضيري فاسمعه مقدمة (هلي يظلام) وبعد فترة وجيزة خرج علينا المطرب عبد الوهاب باغنيته المشهورة (أي سر فيك) اقتبس لحنها ونغمها من اغنية (هلي يظلام).
كما استفاد الموسيقار محمد عبد الوهاب من الالحان العراقية الكثير ومنها اخذ عن نغم اللامي اغنيته المشهورة (جبل التوباد) والمغناة على ذات النغم وبها وصلات من اغنية داخل حسن المشهورة (يمه يايمه)، وظهرت في نفس الوقت اغنية (لاموش انا لبكي) مقابلة لأغنية حضيري
(ظنيت ما احبك)”.
وعطفا على حقيقة ما ذهبنا اليه من شهرة حضيري الواسعة جدا، يقول الكاتب البحريني جاسم العطاوي : “في السنوات الخوالي، لا اتذكر انني ذهبت في ليلة الى ساحل من سواحل جنوب المحرق، حيث ولدت وعشت وما زلت اعيش، دون ان اسمع في ظلامها الحالك أغنية أو اثنتين للفنان العراقي الكبير الراحل حضيري ابو عزيز ، اغاني ـ تنبعث من “أجهزة تسجيل” بأيدي شباب متناثرة على هذا الساحل
أو ذاك”.