أطفال بريطانيا السمر ومعاناة الاندماج في المجتمع

بانوراما 2019/08/03
...

تشارلي جونز
ترجمة: بهاء سلمان
عندما ولدت بابز غيبسون وارد سنة 1944، لم يشك زوج والدتها ضابط البحرية بابوته لها. تقول بابز: "اعتقد جازماً أنني طفلته، وأعتقد لأن لون بشرتي كان عند الولادة فاتحاً جداً، واستلزم الأمر ستة أشهر ليتغيّر الحال."
كانت بابز واحدة من ألفي طفل خليطي العرق مولودين لأمهات بريطانيات بيضاوات البشرة وأفراد القوات الاميركية السود من أصول أفريقية خلال الحرب العالمية الثانية. واطلق على هؤلاء الأطفال تسمية "الأطفال السمر" من قبل وسائل الإعلام، وكان للعديد منهم طفولة مربكة، فعندما إزداد جلد بابز إسمراراً، افتضحت كذبة والدتها، فقد كان والدها الحقيقي مهندس قوة جوية أميركياً زنجي الأصل.
أرسلتها أمها الى خارج منزل العائلة في منطقة ابسويج، لتعيش بمنزل أطفال للسنين الأربع التالية، وتبنتها إحدى الاسر، وبدت كأنها بداية جديدة، لتستقر بوضع حسن، لكن تمت إساءة التعامل معها على خلفية عرقية: "لم أر مطلقاً أي طفل يشبهني في المنطقة، وأحياناً عندما كنت أريد اللعب خارجاً مع بقية الأطفال، كان آباؤهم يمنعونهم من ذلك." وكانت المعلّمة تعتقد بعدم امتلاكها لنفس قدرات باقي الأطفال في تعلّم نطق وقراءة الحروف.
تدهورت حياتها العائلية مرة أخرى، وتتذكر تعرّضها للجوع دائما، وتوفت متبنيتها، أما زوج متبنيتها، فقد بدأ بمضايقتها. وعندما بلغت العاشرة من العمر، نقلت الى منزل أطفال آخر. وبعد ثلاث سنين، عادت والدتها لتأخذها، وانتقلتا للعيش في يورك، لكنها اعتادت على ضربها وتجاهل معلّمها الذي أشار لموهبتها الموسيقية، لتجد نفسها مرمية في الشارع عندما كانت بعمر 15 سنة، بدون مؤهلات ولا عمل.
 
أبيض وأسود
إنها قصة مألوفة لما يطلق عليهم بـ"الأطفال السمر"، الذين نشؤوا في مناطق البيض في مناطق ساحل بريطانيا الجنوبي المتفرقة، وكان آباؤهم من جملة الـ 240 ألف أميركي أفريقي الأصل الذين كانوا ضمن أعداد القوات الأميركية، البالغة ثلاثة ملايين جندي، التي توافدت على بريطانيا خلال الحرب. تم التعامل مع السود بعنصرية ووكلت إليهم مهام شاقة جسدياً، فقد شيّدوا القواعد الجوية، وجلبوا معهم الحلوى والكوكا كولا والسكائر والنايلون وحركات رقص جديدة للسواحل البريطانية.
تقول لوسي بلاند، استاذة التاريخ الاجتماعي والثقافي في جامعة انكليا روسكن: "لم ير الكثير من البريطانيين مطلقاً أي شخص أسود البشرة، وكانوا جذّابين وأقل غطرسة من الجنود البيض، والتقوا بالنساء في قاعات الرقص أو الحانات، وفي أوقات المساء المخصصة فقط للسود." لكن العلاقات كانت محظورة، وغالباً ما بقي وضع أطفالهم أمراً مخفياً؛ ولم يظهر الغالبية قصصهم للعلن أبداً، إلى أن عثرت الأستاذة بلاند على 45 فرداً منهم لأجل كتابها الموسوم "أطفال بريطانيا السمر".
وضع النصف تقريباً في منازل الأطفال، ونشأ البعض منهم مع والداتهم، لكنهم بقوا يواجهون إساءة التعامل، وتم الكذب على أغلبهم بشأن آبائهم الحقيقيين. كان تيري هاريسون أحد توأمين ولدا سنة 1944 لامرأة ويلزية، وكانت والدتهما تتشاجر دوماً مع الجيران الذين اعتادوا الإساءة لها. وبعمر تسع سنين، اكتشف تيري أن الرجل الذي يحبه كأب لم يكن إلا زوج أمه؛ واكتشف مؤخراً قبر والده داخل مقبرة أميركية، مطلقاً على الأمر اسم"التجربة الرائعة".
 
نكران ومعاناة
تم تبني القليل جداً من هؤلاء الاطفال. وقالت السلطات بعدم امكانية تصنيف الأطفال المختلطي العرق، كما ان الحكومة حظرت حالات التبني القادمة من الولايات المتحدة، رغم وجود اهتمام كبير. وتم تبني طفل واحد فقط من قبل والده من بين الـ 45 طفلاً الذين التقتهم مؤلفة الكتاب، حيث رجع كوربورال ليون لوماكس الى اوهايو في نهاية الحرب، معترفاً لزوجته بيتي بما فعله في بريطانيا، وابوته لطفل، أسماه ليون أيضاً، في منطقة تشيلمسفورد بمقاطعة ايسيكس. وومع صعوبة بالغة، تمكّن من ضم ابنه اليه وإدخاله الى البلاد.
عانى العديد من هؤلاء الأطفال بعلاقاتهم، معللين الأمر بطفولتهم المختلّة كسبب مرجح، رغم إمتلاك البعض للشعور بالانتماء. ولدت مونيكا روبيرتس سنة 1944 في ليفربول لأم عزباء رفضت التخلّي عن طفلتها، وتم إخبارها أن بشرتها سوداء بسبب لعبها كثيراً خارج المنزل. وعندما صارت بالغة، حاولت العثور على والدها، لكنه كان خارج عداد الأحياء. ومع ذلك، تلقت من شقيقات والدها صوراً شخصية له، وهي الآن تشعر بوجود "صلات عميقة" معه، عملت على تغيير حياتها.
يعد مصطلح "الأطفال السمر" تعريفاً ذاتياً لبعض أفراد المجموعة، بحسب الاستاذة بلاند. ومع بلوغ المجموعة حالياً للعقد الثامن من أعمارهم، فهي تشير الى رغبتها برواية قصصهم قبل فوات الأوان؛ وشكرها البعض منهم على منحهم صوتاً في نهاية المطاف. وبالعودة الى بابز، فبعد تشجيع تلقته من معلّم الموسيقى، انتقلت الى ليفربول بسن الـ18 ، وتدرّبت كممرضة أطفال، ودرست لنيل درجة الماجستير لتوليد النساء، ودرّست في الجامعة، ومن ثم نالت درجة ماجستير أخرى في الموسيقى.
وتقضي المرأة ذات الـ74 عاماً وقتها بتعليم آلة المزمار في ليفربول، حيث تقيم مع زوجها. "كنت أعتقد أن كل شيء ميؤوس منه عندما كنت أكبر بصباي، وكان بمقدوري حتماً سلوك طريق أسهل، لكنني تعلّمت الكثير جداً، ولم يوقفني شيء عن فعل الأمور التي أحبها."
 
بي بي سي البريطانية