د.مصطفى البهادلي
يأتي الموقف التركي من قضية مقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي استمراراً لموقف تركيا المعارض للمملكة العربية السعودية على المستوى الإقليمي، ابتداء من دعم تركيا للتيار الاخواني الذي برز بعد أحداث الربيع العربي وتبوأ البعض منهم الحكم كما في مصر "محمد مرسي" وتونس "الغنوشي" والدعم التركي للإخوان في العراق وغيره من البلدان العربية الأمر الذي تعارضه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين تماما لأسباب تتعلق بضرورة البقاء على الوضع الراهن العربي وعدم السماح بأي حال من الأحوال بالتغيير السياسي في المنطقة ما جعل هذه الدول من أهم الدول العربية التي تدعم بقاء النظم السياسية العربية التقليدية وتوظيف جميع القدرات المادية والمعنوية لديها سبيلا لعدم تغييرها ،وهو ما يؤكده السلوك السياسي لهذه الدول " السعودية وحلفائها"سواء في مصر وتونس و البحرين واليمن .... كما إن السلوك الصراعي بين تركيا والسعودية وصل مرحلة متقدمة إبان الأزمة القطرية السعودية –الإماراتية- البحرينية –المصرية والتي وصلت مستوى إرسال قوات تركية إلى قطر من أجل دعم موقفها ضد المملكة السعودية وحلفاؤها . واليوم يكون الموقف التركي قد بلغ الذروة ضد المملكة العربية السعودية في مقتل الإعلامي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا ،فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو ما حقيقة الموقف التركي "اردوغان " من وراء التصعيد المستمر ضد المملكة العربية السعودية؟
- ابتزاز المملكة العربية السعودية لأكبر قدر ممكن في الملفات السياسية والاقتصادية ،فتركيا سياسيا تريد من السعودية رفع يدها من سوريا لكي تتفرد هي بادارتها مع اللاعبين الآخرين وهي كذلك تسعى إلى الحد او إنهاء المعارضة السعودية تجاه التيار الاخواني في مصر وغيرها وقد يذهب اردوغان إلى المستوى الذي يطلب فيه من الرياض ممارسة تأثيرها ونفوذها على مصر لإطلاق سراح قادة التيار الاخواني من السجن ويحدث هذا في ظل قناعة اردوغان بان السعودية في أضعف حالاتها السياسية والاقتصادية بسبب حربها في اليمن وصراعها مع قطر ووضعها في البحرين، فضلا عن استمرار الابتزاز الأميركي لها حالا ومستقبلا، ما يجعلها في وضع عام ضعيف وأكثر طاعة ورضوخا للمطالب التركية والتي لن تتوقف عند السياسية منها بل تتعداها إلى ما هو اقتصادي يتمثل بالابتزاز المالي لها وقد يطلب مبالغ مالية عالية، وكما يبدو اردوغان كان قارئاً ممتازاً لأدق تفاصيل المشهد السعودي داخليا وخارجيا ما شجعه على ممارسة الابتزاز للمملكة السعودية وضمن إيقاع تصاعدي تحكم هو به من أجل ضمان موافقة شبه مطلقة لشروطه لشراء موقفه المهادن و المتفق على اقل تقدير مع موقف السعودية وروايتها فيما يتعلق بمقتل جمال خاشقجي الذي تحول بفعل السياسة من جريمة جنائية يحاسب عليها القانون الدولي وفقا لاتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية عام 1963 ،إلى مشروع للاستثمار السياسي و المالي والاعلامي، يمارسه ويجتهد فيه الطرف التركي الممسك بقوة بتفاصيله الحقيقية التي يتحفظ على الإعلان عنها حاليا بما يخدم أغراضه التفاوضية السرية مع المملكة العربية السعودية .
- والمتابع لمسار الأداء التركي يجد إنه سوف لن يتوقف عند التوظيف التركي للحدث لجهة السعودية ،وإنما تعداه إلى استثماره دوليا على صعيد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية .فأوروبيا نجح اردوغان في تلميع صورته لديها حينما ظهر في الإعلام المرة تلو المرة وهو يندد بعملية الاغتيال ويصورها بأنها مخالفة لحقوق الانسان وانتهاك لحريته في الرأي ومخالفة صريحة للقانون الدولي وغيرها من شعارات الدعاية التي اتقن اردوغان اخراجها بطريقة تلامس المشاعر الأوروبية على المستويين الرسمي والشعبي .
- وأميركياً يكمن الاستثمار التركي للحدث لجهة عودة الدفء للعلاقات التركية الأميركية ،فالأخيرة قد تيقنت بمسؤولية السعودية عن الاغتيال بمقدار ما تيقنت عن مسعى اردوغان لاستثماره سياسيا ضد حليفها المميز وهو ولي العهد السعودي ،الأمر الذي يقف بالضد من رغبة الولايات المتحدة الاميركية بقيادة ترامب من الإساءة اليه وتحميله مسؤولية الاغتيال مما دفع الولايات المتحدة إلى إرسال وزير خارجيتها مايك بومبيو إلى تركيا من اجل كبح جماح حملة اردوغان ضد ولي العهد السعودي ، وهنا وجدت تركيا ضالتها لتطلب من اميركا بالمقابل بعض المطالب منها:
- رفع العقوبات الأميركية عنها، لاسيما تلك المتعلقة بتوريد الحديد و الالمنيوم إلى أميركا.
- دعم الليرة التركية وذلك بالتوقف عن استهدافها أميركيا.
- إنهاء الدعم الأميركي لفصائل المعارضة السورية ولاسيما الكردية منها "قوات سوريا الديمقراطية"
- دعم الموقف و وجهة النظر التركية دوليا فيما يتعلق بالحل في سوريا .
وبهذا يكون اردوغان قد استثمر بقضية اغتيال خاشقجي أفضل استثمار بما يعود على تركيا بالنفع و الفائدة محليا وإقليميا ودوليا، الأمر الذي يكشف حقيقة الادعاء التركي في قضية اغتيال خاشقجي ويبعد الموضوع تماما عن الحريات وحقوق الإنسان وحرية الرأي والمعتقد وغيرها من الشعارات التي عادة ما تعمد الدول إلى تغليف مصالحها المشروعة وغير المشروعة بهكذا شعارات من أجل تسويقها محليا ودوليا.