في قانون المدن الصناعية .. إنتاج وطني ينتظر الاستثمار

ريبورتاج 2019/08/05
...

بغداد/  بشير خزعل 
تصوير نهاد العزاوي
بعد ان صوت مجلس النواب على قانون المدن الصناعية ، برزت الكثير من الاسئلة المختلفة  بخصوص القانون وما سيقدمه من تسهيلات فنية وادارية يمكن ان تساعد في دفع عجلة الاقتصاد العراقي واعادة الحياة لعشرات المعامل الصناعية التي توقفت لظروف واسباب مختلفة منذ العام 1991 وحتى يومنا هذا ، وفي الوقت الذي يشار الى الاستثمار كحل امثل  لبناء مدن صناعية جديدة ، يرى اخرون ان ابرام الاتفاقيات الاقتصادية مع دول مختلفة يمكن ان يسهم في دخول رؤوس اموال لإنشاء مشاريع صناعية مختلفة ، يكون للقطاع الخاص مشاركة في الكثير منها .
يمكن أن ينهض بناء مناطق صناعية بالواقع الصناعي وتوفر مواد ومنتجات تسد حاجة السوق المحلية ويمنع هدر العملات الصعبة التي يتم بها استيراد مواد وسلع بالامكان تصنيعها داخل العراق ، وبدلا من انفاق مليارات الدولارت سنويا على الاستيرادات يمكن استثمار تلك الاموال في مشاريع خدمات الصحة والتعليم والبيئة .
 
معامل تحولت لمخازن 
توقفت عشرات المعامل الانتاجية في القطاع العام والخاص او اصبحت تعمل بنصف طاقتها الانتاجية ، وسرح الاف العاملين خلال سنوات الحصار والحرب وحتى بعد التغيير لم  تجد الدولة حلا شافيا لتلك المصانع الكبيرة التي كانت تصدر انتاجها الى دول مختلفة .
 عبد الستار عطية صناعي يعمل في الصناعات الغذائية  قال : في سبعينيات وثمانينيات القرن  الماضي  كانت اغلب المعامل الانتاجية في منطقة جميلة الصناعية ومناطق اخرى في بغداد والمحافظات العراقية  تتنافس في طاقتها الانتاجية من الصناعة الوطنية ، وتسد حاجة السوق المحلية ويصدر الفائض الى دول في قارة اسيا وافريقيا واوروبا ، لكن تلك الصناعة تعطلت بعد ان فقدت البنى التحتية مقوماتها الاساسية واصبح الانتاج مكلفا وباهظ الثمن فتحولت تلك المعامل الى مخازن  للمستورد والكثير منه لا يضاهي الانتاج الوطني في السابق.  
عضو لجنة الاستثمار والاقتصاد النيابية الدكتورة ندى شاكر جودت  قالت: كان المقترح أن يكون إنشاء المدن الصناعية في المناطق التي توجد فيها بعض المشاكل وأمامها مناطق صحراوية والتي يمكن ان تكون قابلة للاختراق أو التسلل من خلالها الى الاراضي العراقية، لذا كان الغرض من إنشاء هذه المدن هو خلق خط دفاع أول يحمي الحدود التي تربط بيننا وبين تلك المناطق، إضافة الى تشغيل الايدي العاملة وتوفير كل ما تحتاجه، وخلق مدن مصغرة في تلك الحدود، إضافة الى خلق منطقة صناعية يمكن أن تنهض بالواقع الصناعي وتوفر مواد ومنتجات تسد حاجة السوق المحلية ومنع هدر العملة الصعبة التي يتم بها استيراد مواد وسلع من خارج العراق، واضافت جودت : منذ عام 2003 والقطاع الصناعي في  حالة تراجع، ولم تشهد الصناعة انتعاشاً منذ ذلك الوقت بما فيها المصانع التي تتميز بمنتجات ذات جودة عالية وتشغل الاف الايدي العاملة بدأت تفقد بريقها نتيجة عدم الاستثمار وانحدارها من سيئ الى أسوأ ، ولذلك فان المبحث الاساسي في إنشاء المدن الصناعية بأن تكون باستثمارات خارجية لغرض انعاش الواقع الصناعي في العراق، ولإنجاح مثل هكذا مشاريع يجب أن تكون هناك إرادة وإدارة صحيحة تتبنى هذه المشاريع وشريطة أن يفرض المفاوض العراقي على الشركات المستثمرة بأن تكون الأيدي العاملة في تلك المدن الصناعية عراقية، فلا قيمة لهذا المشروع إذا كانت الأيدي العاملة 
أجنبية.
 
إجراءات
 عضو اللجنة القانونية حسين العقابي بين ان قانون المدن الصناعية أقر من قبل مجلس النواب مؤخراً ويحتاج الى وقت وترتيبات معينة لتطبيقه كونه يعتمد بالدرجة الاولى على الانفتاح والاستثمار الدولي.  وكنا نأمل أن تصلنا آراء حول هذا الموضوع لأخذها بنظر الاعتبار، فالمدن الصناعية بادرة جديدة نسعى من خلالها للنهوض بالصناعة العراقية وايجاد إيرادات اخرى لإنعاش الاقتصاد في العراق ، وسيبقى تطبيق القانون على ارض الواقع مرتبطا بالاجراءات الحكومية وسياسة الدولة لتنفذه في فترة زمنية تتناسب وواقع الوضع الاقتصادي وتاثيره في نواحي الحياة المختلفة للمجتمع العراقي .
 
تراجع واستيراد
الناطق الرسمي  لوزارة الصناعة والمعادن عبد الواحد الشمري بين ان عامل الصناعة في معظم دول العالم يعد متطوراً بسبب التنظيم والتخطيط الحقيقيين للقطاع الصناعي، وهذا ما يفتقر اليه العراق خاصة بعد عام 2003، حيث تراجع القطاع الصناعي تراجعاً ملحوظاً وخطيراً جداً ولأسباب معروفة، فقد تعرضت شركات وزارة الصناعة الى عمليات التخريب والسلب، فضلاً عن عسكرة الصناعة  في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي،وتدمير شامل لاغلب البنى التحتية وهذه الاسباب أسهمت بشكل أو بآخر بتراجع القطاع الصناعي إضافة الى فتح باب الاستيراد على مصراعيه وغياب القانون والرسوم الكمركية التي أغرقت الاسواق المحلية بالمنتج المستورد، ومن خلال الاطلاع على تجارب الدول المجاورة كإيران وتركيا والسعودية التي خططت تخطيطاً منتظماً بما يتعلق بالمدن الصناعية، فلقد لاحظنا تطور صناعتهم بشكل كبير وواضح، ولكن ومع شديد الاسف فإن العراق وبسبب قلة الموازنة الاستثمارية المخصصة لوزارة الصناعة والمعادن خاصة عام 2015 وانخفاض أسعار النفط، أديا الى توقف المدن الصناعية في العراق وخاصة في محافظة ذي قار التي وصل تنفيذها الى ما يقارب 90 بالمئة، والمدينة الصناعية في البصرة التي وصل تنفيذها الى 75 بالمئة ، 
واوضح الشمري ان المشاريع الصناعية الحقيقية التي تقام في المدن ستؤدي بالنتيجة النهائية الى تشغيل الايدي العاملة في المحافظات، بالاضافة الى بناء خطوط ومصانع إنتاجية حديثة مطابقة للمواصفات العالمية لجذب رؤوس استثمار سواء كانت وطنية أو أجنبية ، خاصة ان البنى التحتية في قسم من تلك المدن الصناعية مكتملة بالفعل، وأكد الشمري،  هناك مخطط من قبل الوزارة على إنشاء مدن صناعية في كل محافظة عراقية وهو طموح باقٍ، وسنحاول أن نفتح مجال الاستثمار في المدن الصناعية لتطوير القطاع الصناعي من خلال استكمال تلك المدن وإنشاء أخرى. 
 
تخطيط ستراتيجي
 المحلل السياسي كاظم الحاج بين ان المادة الثانية من قانون المدن الصناعية حددت الأهداف والغايات من هذا القانون، ولربما فإن مسألة انشاء وتطوير وتشغيل وإدارة المدن الصناعية سواء كانت في المحافظات أو المناطق الحرة التي يتم الاتفاق عليها مع الدول الأخرى؛ يهدف الى أن يكون هناك تنظيم في عملية إدارتها، وأن توجد استدامة مستمرة في مسألة النمو والتنمية في المجال الاقتصادي العراقي وخصوصا بما يتعلق بالدولة العراقية بمعنى بأن يتجه الاستثمار لصالح النهوض بالاقتصاد وانعاشه، ويضيف الحاج : يحتاج هذا القانون الى خطة ستراتيجية على مستوى التخطيط والتفكير ومن ثم على مستوى التنفيذ لإنجاحه على أرض الواقع وتطبيقه ضمن ادوات مساندة تسهم بشكل كبير بالنهوض بمثل هكذا مشاريع، خاصة وأن هذا المشروع جوهري في مسألة تنمية ودعم الاقتصاد العراقي. 
 
 الفخ 
الباحث الاقتصادي صالح الهماشي اكد ان المدن الصناعية هي من أهم المنشآت والقطاعات التي يمكن أن توفر خدمات اجتماعية وصناعية واقتصادية وتسهم في تقليص حجم البطالة بشكل كبير ، فالمدن الصناعية تتضمن مجموعة من المصانع والمعامل والشركات العاملة التي تحتاج الى معدات متطورة وستكون لها نشاطات مختلفة  كالمعارض الصناعية والتعاون مع الجامعات العلمية لغرض تطويرها، واضاف الهاشمي أننا بحاجة الى بناء 18 مدينة صناعية على عدد محافظات العراق لامتصاص البطالة، والنهوض بالواقع الصناعي في البلاد، ويجب على المختصين بواقع الاقتصاد العراقي  ألا يقعوا بفخ المدن الصناعية الخارجية لان أغلب اليد العاملة ستكون تابعة لتلك الدول ،ولا بد ان تسحب المدن الصناعية الى عمق العراق من اجل تمركز رؤوس الاموال واستقطاب المستثمرين في مجال الصناعة وتشغيل الأيدي العاملة واستثمار المواد الاولية خاصة وان أغلب الصناعات تعتمد على 70 بالمئة من المنتجات الخام، وبالتالي سننهض بالقطاع الزراعي والصناعي وانعاش الاقتصاد في مختلف القطاعات الاخرى.