الدونيّة المركبة في رواية «أنثى غجرية»

ثقافة 2019/08/05
...

اسماعيل ابراهيم عبد
الدونية في الانتماء الديني والعرقي واحدة من عناصر دونية والاكبر منها امتهان كرامة البشر يتناغم مع ما يحدث من تسويق اعلامي للإرهاب الديني السياسي، نرى ان مبرراته الحقيقية ايديولوجية بامتياز، إذ أن رأس المال العالمي لا يمكنه العيش في بيئة مسالمة مستغنية عن الصراعات، لذا فقد ابتكر ـ بحسب رواية «انثى غجرية» لرسول محمد رسول ـ صفحات من البنيات الثقافية، عرقية واعلامية، وحزبية، واجهاتها الدعوة الى فضيلة العقل والتدين والسمو الاخلاقي، وفعلها اغتصاب الأموال والأنفس والذمم، فضلاً عن تفتيت مؤسسات التماسك الاجتماعي والعدل الدستوري والاقتصادي . 
في الرواية ـ من الجانب السلوكي ـ يتمثل ذلك  في : (الاقتتال الطائفي، والاعتداء على إنسانية المرأة بشكل خاص والإنسان بشكل عام)، وفي العراق يتمثل هذا الاعتداء بوضع :(المسيح دون درجة المسلمين، واليهود دون درجة المسيحيين، والاقليات العرقية دون غيرها من الكثرة الاجتماعية، والمرأة دون مرتبة الرجل).  الدونية تقع ـ
 بشكلها الفني ـ لحالات عدة منها :(فقدان الرعاية للأُمهات الحوامل المصابات بالاشعاع النووي ,اغتيال الآباء والمربين الأفاضل ,اغتصاب النساء وهدر كرامتهن 
وقتلهن) .
 اما الدونية المركبة ـ وهذه واحدة من تجليات القراءة ـ بحسب فهمنا ـ فتختص بها امرأة واحدة اسمها (أسماء، كناية عن الأسماء النسوية كلها) , فهي (اسماء الراوية، ومحور الروي، ومحتوى الروي، وطاقة التضحية، ومؤولة الصداقة، مبتكرة الفعل، ومغيرة مصطلح النسوية، ومسوغة لايجابية العوق) , اما اسماء (كمركب للدونية) فهي : بصراوية من جنوب العراق المهمش , وهي فتاة فاقدة للأب والأُمهات، قليلة العلاقات، وحيدة المصير , وهي كذلك بغدادية يتيمة مثل مدينتها الحالية , وفتاة مسيحية جميلة تغتصب ولم تتزوج من أحد, مشلولة اليد، منتهكة المال والعرض والانتماء , واسماء كقوة مستقبلية للشعب هي : مترجمة مغامرة، محبة للخير، محبة للغير، متطلعة لعلاقات انسانية لها ولبلدها على أساس التعاون الإنساني الأَسمى والأَنقى . وهي التي أَكملت تخصصها باللغة الفرنسية، وارتحلت من بؤر القتل وقتلت مغتصبها، عملت في حقل الاعلام والترجمة في عدة دول آخر محطاتها
 فرنسا. 
ولأجل تنفيذ كل تلك المعاني فقد لجأ الروائي رسول محمد رسول الى تقنية تسارع لغة السرد, إذ هي تقنية لغة تخص الروي الذي بموجبه يكون الوصف والحدث عاملين فاصلين في قضية توقف او تسارع الروي، فالمتفق عليه بين النقاد هو ان الوصف يعني البطء او التوقف الفني للروي بينما الزج بالأفعال والأحداث بتلاحق او تقاطع فهو من تسارع للسرد، واعتقد ان هذا التوصيف جاء بأثر تقنيات الصورة في السينما، او هيمنة اعلام الصورة في 
عصرنا الآن . 
 وبظني ان القضية اسلوبية اكثر منها جودة أو كفاءة .     ان رواية (انثى غجرية) للروائي رسول محمد رسول تهتم بالوصف لمقتضيات تبرير الحدث، وعلى الغالب فأن الحدث يتقدم على الوصف لذا فان السرد يوصف بالتسارع لا بالبطء او التوقف . مثال ذلك ص11، ص12، ص13 وهي صفحات باختيار 
عشوائي . 
والفكرة التي تربط الدونية بالروائية وتسريع السرد هي فكرة نحت مصطلح روائي
 للأُنثوية. 
ان الظاهرة الفنية الطريفة في الرواية هي ان يصير المصطلح خاصة (النسوية) اطاراً شاملاً لحالتي الروي والمحتوى , فيعي القراء بأن البدء لقضية المرأة كان تحت مظلة حقوق المرأة العاملة، ثم ارتقى ليصير حقوق المرأة الانسانية، ثم لينضج بمصطلح النسوية، ثم تخصص اكثر عند مصطلح الانثوية،
 وها هو الروائي ـ 
على لسان الراوية ـ يعبر به الى الانثى الغجرية، لكنه لجأ أولاً الى تغيير وظيفة (الغجرية) ليصير له مبرراً لرسم الفضاء النصي فنياً بمصطلح الانثى الغجرية، لكأن المصطلح هو البطل المتخفي وراء الأحداث والشخوص، فمثلاً، في حوار روني مع البطلة أسماء دار الحوار الآتي : [ ـ ألا يوحي تعبيركِ « انثى غجرية } بأنك متاحة الى الجميع كأنثى؟أبداً، أبداً ... ما اقصده بعيداً كل البُعد عن أن تكون المرأة بائعة هوى مترحلة بين احضان رجال هنا أو هناك، امرأة تبيع جسدها لقاء
 أجر مالي. 
ما أقصده يمس الجانب الوجودي للمرأة كأنثى، وهنا تراني لا أميل الى استخدام مصطلح النسوية الذي أحترمه لأنه فتح أفقاً لتحرر المرأة في العالم رغم الصعوبات، تراني أميل أيضاً، وربما أكثر من ذلك، الى مصطلح أنثى، وبالتالي أنوثة، ليس بمعنى ان المرأة مجرد كائن يختلف بيولوجياً عن الرجل إنما لها رؤية ثقافية وحضارية ووجودية للحياة والعالم معاً من حيث بصمتها 
كأنثى](2).
المصدر
* رسول محمد رسول , رواية انثى غجرية، دار مداد، الامارات العربية، دبي، 2018