عنوان الكتاب.. السؤال المتجدد والمستفز

ثقافة 2019/08/06
...

بغداد/ مآب عامر 
 
في بدايات القرن العشرين كانت لدى الكاتب الأميركي، إيمانويل هالديمان جوليوس، رؤية خاصة في زيادة مبيعات كتبه، فبين الحين والاخر كان يجمع ما لايباع منها ويعالجها سريرياً، من خلال تغيير عناوينها ومن ثم يعيد طرحها في الأسواق. بهذه الطريقة المبتكرة رفع جوليوس نسبة مبيعات كتبه، وكشف لنا من خلال مسيرته أن عناوين كتبه كانت السبب في بيعها باعتبارها رنانة مؤثرة وجاذبة، وأنها تستوفي الشروط التي من الضروري أن يخضع لها العنوان كفن وذائقة، وإلا كيف استطاع بيع أكثر من (٢٠٠) مليون كتاب في (٢٠) عاماً؟
يرى الشاعر عادل الصويري أن أهمية العنوان نسبية والاهتمام بها أيضا نسبي وتتباين من مبدع الى اخر، فمن رأيه “لابد من اشتراط عنوان يمثل بوابةً حقيقيةً للدخول لعوالم المنجز التدوين كاملاً، فطبيعة زمننا الذي تتسارع فيه المستجدات تفرض ذلك”.
ومن غير المقبول، حسب الصويري، اهمال العنوان، والاكتفاء بعنوان يمثل لفظةً أو عبارة وردت في كتابه أو قصيدته، كما وأن عوامل جذب العنوان تأتي من الابتكار شريطة انسجامه مع المحتوى، بحيث لا يكون ابتكاراً على سبيل الاستعراض. ومن جانبه يجد ان قضية جذب العناوين في السوق، فهذا موضوع ربما سينقلنا إلى الاقتصاد او لثنائية العرض والطلب، أو للأذواق التي بدونها (تبور السلع)، اما على المستوى الفني يساهم العنوان في الارتقاء بقيمة الكتاب في حال تم الاشتغال عليه بشكل جدّي.
 
المستفزة للذائقة
والعنونة عند الفنان التشكيلي والشاعر أحمد المالكي مهمة، ولكن جنبا إلى جنب مع الشكل التالي للجمالي أي تصميم الغلاف، وهي تشكل محورا (للجذب) في بعض العناوين المستفزة للتساؤل، والمستفزة للذائقة في بعض 
الأحيان. المالكي الذي يعمل الان ناشرا للكتب، يعتقد أن ثمة عناوين لا ترتبط بمضمون المحتوى، أو يأتي البعض منها على سبيل التكرار في بعض أجزاء العنوان، مثلا مفردة (الطين) أخذت مجالا مكررا في الكثير من عناوين الكتب، والمشهد شاهد على تكرار مثل هذا النوع من التشابه
 الجزئي. الكثير من الأدباء والكتاب يقع ضحية المتن، بحسب المالكي، لهذا السبب يلجأ إلى أخذ جزء من قصيدة أو عنوان نص، أو مفردة داخل محتوى الكتاب وتحويلها إلى عنوان.
في النهاية يجد المالكي أن مفهوم العنونة عند البعض هي بوابة تطرح مفهوم الكتاب وبشكل يثير التساؤلات عنه وإليه، وهي بمثابة السؤال المتجدد الذي يجيب عنه الكاتب داخل منجزه الأدبي. 
 
تساؤلات لا إجابة لها
وقد اهتمّ النقاد والدارسون بعتبات النصّ وخاصة في الدراسات السيميائية التي أولت النصّ بأجزائه العناوين، والمقدمات، والهوامش أهمية كونها مفاتيح للجمال في الولوج إلى أغوار النصّ، بحسب الشاعر عادل الفتلاوي، الذي أشار إلى أنه قد كتب الباحثون دراسات في علم العنونة باتجاهه السيميائي منذ القرآن الكريم ومفاتيح السور مرورا بأنواعه الحقيقيّ، والمزيّف، والفرعي، والإشارة الشكليّة، والعنوان التجاري.
وتحدث الفتلاوي عن أهمية العنوان، فيقول: تكمن أهمية العنوان فيما يثيرهُ من تساؤلات لا نلقى لها إجابة إلا مع نهاية العمل، ولا نستطيع في هذه العجالة الإلمام باشتراطات العنوان لتشعبها وتعدد وظائفها كالتعيينية، والوصفية والدلالية الضمنيّة المصاحبة، والإغرائية. 
ويضيف: مؤخرا لاحظنا كثيرا اتكاء الكتّاب على بعضِ العبارات القرآنية الصريحة أو الضمنيّة أو اسماء أعلام في الفلسفة والتصوّف بثوب معاصر وهو برأي مصدر جذب كبيرٍ للقارئ مثلا روايات أرفين يالوم مشكلة سبينوزا، عندما بكى نيتشه، أو فرانكشتاين في بغداد للسعداوي، أو لا تقصص رؤياك لعبد الوهاب الحمادي أو نيسكافيه مع الشريف الرضي وغيرها الكثير، وهي عناوين جذابة بذاتها دون التطرّق إلى محتوى الكتابِ الذي تشير إليهِ فهو متفاوتٌ.
كما ويشير الشاعر إلى أن الكتاب المعاصرين قد أدركوا ما للعنوان من أهمية بالغة لذا راحوا يبتكرون للعنوان أبعادا جذابة ومفارقات ملفتة استطاعت أن تعطي للكتابِ ضربةً جمالية تبقى في ذهن القارئِ، ونادرا ما نجدُ إصدارا معاصرا أخفق في تناولِ العنوان تناولا 
إبداعيا.