الغيرة الهدَّامة.. مرضٌ نفسيٌّ يفتكُ بصاحبه

اسرة ومجتمع 2019/08/17
...

منى محمد زيارة
الغيرة نار تحرق من يشعر بها،  وغالبا ما نتغاضى عن الاعتراف بوجودها او التقليل من تأثيرها في حياتنا،  لكنها حالها حال بقية العوامل النفسية التي قد تشكل خطرا على الشخص حينما تسيطر على تفكيره وتسبب له الامراض.  
تجارب واقعية
تقول مروة جباروهي تعمل موظفة: كنا انا واختي التي تصغرني بعامين دائما نتشاجر وعلى اتفه الاشياء، وكانت والدتي تقول لنا باستمرار لا تكونا مثل جارتنا مديحة ،في البداية لم نهتم كثيرا لما تقوله لأننا مشغولتان بالخلاف لكن بعد تكرارها هذا الكلام اكثر من مرة قررنا سؤالها ،من هي مديحة وماذا فعلت ولماذا تطلب منا الا نكون مثلها ؟، قالت أمي كنت اتمنى ان تطرحا علي هذا السؤال منذ زمن ،المهم بدأت بالكلام عن جارتهم (ام محمد) التي كان لديها ولدان متقاربان في العمر قررت تزويجهما في يوم واحد ،تزوجا ونعما بحياة سعيدة في الاشهر الاولى الابن الاول تزوج معلمة والاخر تزوج  ربة بيت 
(مديحة)، بعد انجاب المعلمة ابنها الاول بدأت مديحة بالغيرة منها كونها متعلمة ولديها وارد شهري فحاولت  أفتعال المشاكل والصاق التهم  بالأخرى لتحظى هي بالمديح والاعجاب ،لكن بعد اكتشاف امرها من قبل الام تغيرت معاملة الجميع لها ،فكلما حاولت اثارة المشاكل نهرتها ام زوجها وتوعدتها بالطلاق من ابنها ان استمرت على هذا الطريق، لكن يبدو ان غيرتها تحولت الى مرض اثر بشكل كبير على تصرفاتها ونفسيتها حتى جاء اليوم الذي وجدت فيها ام محمد  حفيدها ميتاً دون سبب ظاهر، لم يصدق الجميع ما حدث، بعد عدة ايام اخبر الطبيب العائلة ان الطفل مات مسموماً ويجب ابلاغ السلطات المختصة بهذا عندها  توجهت الانظار الى مديحة التي سرعان ما أقرت بفعلتها القذرة نتيجة غيرتها المريضة وعدم فهم من حولها لا مكانية تحولها الى شعور عدواني يدفع صاحبها لارتكاب 
الجرائم.
 
التربية قبل الرعاية
هذا الموضوع بإيجابياته ،مضاره ،اسبابه ،علاجاته طرحناه على د.منار سامي استشارية في علم النفس 
اكدت د. منار علينا وقبل البدء ان نتطرق الى محور مهم قد يكون سبباً لظهور الغيرة من عدمه وهي ان اغلب الاباء والامهات لا يعرفوا الفرق بين كلمتي الرعاية والتربية  اذ ان التربية تتضمن قيام الاهل بخمسة امور اثناء مراحل النمو الجسدي والعقلي لاولادهم وهي ،بناء القناعات وتشمل العقيدة .. المبادئ ، القيم ،الطموحات ، ثانيا توجيه الاهتمامات  وتشمل كيفية تفكيره وطريقة قضاء وقت الفراغ ، ثالثا ،تنمية المهارات  بأنواعها المختلفة؛ رياضية، فنية ،عقلية اجتماعية، علمية ، رابعا فهم قواعد العلاقات من تصاحب؟ من تتجنب؟ وكيفية بناء العلاقات وإصلاحها أو إنهائها ،  خامسًا  اختيار القدوات أي المـُثـُل العليا الذين يتطلع إليهم الإنسان ليصبح مثلهم ، كل شيء تبقى يسمى رعاية من متابعة الأولاد والاهتمام بإطعامهم وظهورهم بالمظهر الحسن وحل الواجبات فالرعاية حسب د.منار  يمكن تفويض جزء منها، أما التربية فلا تفويض فيهالانها من واجبات الام والاب الاساسية ويساعدهم المربون المخلصون.
 
الاختلافات المجتمعية
وتضيف سامي موضحة: الغيرة مجموعة من المشاعر تتولد نتيجة موقف ما يتعرض له الانسان من فعل موجود او اوهام تتركز في عقل من يتصف بهذه الصفة تولـــّــد بمرور الوقت في حال التغاضي عنها واهمالها رد فعل ينعكس تدريجيا على تصرفات وسلوك صاحبها وقد تصل الى ارتكاب افعال غير سوية. 
والغيرة او الحسد هو تمني زوال نعمة الغير بسبب عدم اشباع الحاجة لها ويرجع لسلوكيات الأسرة التي ترعرع بها فلكل بئية ومجتمع خصائص ومكونات اخلاقية واقتصادية وثقافية تتربى عليها ، لذلك نلاحظ الاختلافات المجتمعية الكبيرة بين دولة واخرى وبين بيئة اعتمدت اسس بناءة وبين اخرى تعثرت ولم تستطع ايجاد مخرج لا بنائها فظلوا يتعثروا حتى أصبحوا عبئاً على أسرهم ومجتمعهم .
 
حافز للتنافس
يقسم الاستاذ التربوي هيثم الشويلي التدريسي في مدرسة شفق النور للبنين . الغيرة الى بناءة واخرى هدامة ، فالأولى تكون حافزاً لصاحبها وللأخرين على التنافس من اجل الوصول الى هدفهم المنشود وتعم فائدتها على الاسرة والمجتمع وتكون سبباً للأبداع والتقدم ، اما الثانية فتتغذى على الحقد والضغينة فهي كالغرس السيء في دواخل الانسان ، فانا والحديث للشويلي كتربوي وتدريسي في احدى مدارس العاصمة بغداد ارصد الكثير من هذه الظواهر بدءاً من الطلبة المتميزين الذين تولد الغيرة لديهم حساً تنافسيا للحصول على اعلى الدرجات ، اما الطلبة السيئين فهم في الاعم الاغلب متذمرين ووباءاً على المدرسة وسبباً لبث الطاقة السلبية واثارة الضوضاء والمشاكل  ورغبة معلنة او خفية لتعميم الفشل على كل الطلبة . لذا على المدرس ان يكون قائداً محنكاً قادر على ادارة الصف المدرسي واعياً بما يمر به الطلبة خلال مرحلة نموهم  من اكتساب طباع وصفات قد تدمر مستقبلهم وتقضي عليهم .لكن في حال استفحال مثل هكذا موضوع انصح اولياء الامور بضرورة اخضاع اولادهم للعلاج النفسي لكن بطريقة ودية غير منفرة تعيد بناء شخصيتهم وأشعارهم بأهميتهم في المجتمع.
 
مواجهة الحياة
ويضيف الشويلي مشيرا الى ان علماء النفس يصنف الغيرة لأنواع عدة فهنالك الغيرة العائلية وغيرة الاصدقاء وغيرة زملاء العمل وغيرة الازواج وكلها ان زادت عن حدها تتحول الى مرض يصعب علاجه ،فحسب جوردون جلانتون أستاذ علم الاجتماع الأمريكي فالغيرة عاطفة غير مستحبة تولد في صاحبها قلقا ورغبة في التملك .
ويؤكد ان علاج الغيرة يبدأ منذ الصغر فالأب والام يستطيعا تكوين شخصية طفلهما فهو مثلما نقول ( كالعجينة) يشكلانها بالطريقة التي تساعده على مواجهة الحياة ومغرياتها بطريقة سوية خالية من العقد والامراض النفسية ، من خلال تعزيز الثقة بالنفس وتشجيعه على مناقشة افكاره وتطلعاته وطرح مشاكله بكل حرية دون تعنيف او سخرية ومحاولة التواصل المستمر مع مدرسته ومدرسيه وكثرة الاطلاع على المؤلفات التي تخص الطفل ومحاولة فها ان كل 
مرحلة عمرية لها متطلباتها وطريقة التعامل معها.