آثار جنائزيًّة لا يزال يكتنفها الغموض

بانوراما 2019/08/17
...

امل بلوفي
ترجمة: شيماء ميران
تعتبر قبور الاهرامات الجزائرية التي يعود تاريخها الى قرون مضت من الآثار الفريدة للعصر القديم، حيث يطلق عليها اسم (الجدار)، لكن قلة البحوث تركت هذه الآثار يكتنفها الغموض.
تقع هذه الصروح الآثارية الثلاثة عشر ذات القواعد الصخرية المربعة التي تعلوها أكوام هرمية صقيلة على زوج من التلال بالقرب من مدينة تياريت، على بعد 250 كم جنوب غرب العاصمة الجزائرية، وتم تشييدها بين القرنين الرابع والسابع الميلاديين، ويعتقد بعض الباحثين بانها بُنيت لتكون المثوى الأخير لملوك الأمازيغ، بالرغم من ان لا أحد يعلم جثمان مَنْ مدفون فيها.
ويسعى علماء الآثار والسلطات الجزائرية في الوقت الحالي لإدراج الجدار ضمن قائمة اليونسكو للمواقع الاثارية العالمية، على أمل ضمان حمايته واستكشافه، وهذا يحتاج لعملية طويلة. وأوضحت وزارة الثقافة الجزائرية ان طلبها المرفوع الى هيئة الأمم المتحدة "سيتم تقديمه في الربع الأول من عام 2020". 
ويتهيأ الخبراء من المركز الوطني لعصور ما قبل التأريخ والباحثين في التاريخ والانثروبولوجي (علم الانسان) منذ أكثر من سنة لموضوع استكشاف الجدار. يقول البروفيسور في معهد الآثار لجامعة الجزائر، مصطفى دوربان: "الهدف هو حماية هذا التراث، فهو تراث الأجداد وقيمته لا تقدر بثمن".
وفي الوقت الذي تم فيه بناء الجدار، كان ملوك الامازيغ يحكمون المنطقة في اقطاعيات صغيرة، لم يكن تاريخها معروفاً كثيراً ولم يترك إلا آثاراً قليلة.
كانت تلك الفترة تشهد اضطرابات كبيرة بالنسبة لمملكة نوميديا، المقاطعة الرومانية السابقة، حيث إنهارت الامبراطورية الغربية لروما، وغزا المقاتلون البيزنطينيون والوَندال (إحدى القبائل الجرمانية الشرقية)، واجتاح العرب شمال أفريقيا. وبقيت هذه الصروح الآثارية على مدى قرون مغيبة ومهملة بشكل كبير، متروكة للزمن واللصوص للعبث بها.
 
معلومات عجيبة
في الآونة الاخيرة عملت مجموعة تضم ما يقارب عشرين طالب آثار ومعلميهم في هذه الصروح الاثارية، وبالتحرك البطيء لاحظوا بقعاً مخربة، وباستخدام الماء والفرش تمكنوا من تنظيف الرموز المحفورة على الحجر برفق قبل قياسها، وفي هذه المهمة شديدة الدقة، إذ يحتاج كل مدخل الى عمل يدوم الى أكثر من ساعتين.
أما عالم الآثار الجزائري رشيد ماحوز الذي أمضى خمس سنوات على اطروحته للدكتوراه عن هذه القبور، فقد تأسف بشدة على قلة البحوث المكرسة لعجائب بلاده. ويقول رشيد الذي ولد وتربى بالقرب من هذه المنطقة "ان الارشيف الفرنسي عن الجدار غير متوفر، ومجموعة الرفات ومتعلقاتها التي وجدت خلال حقبة الاستعمار تم نقلها الى فرنسا". كما ان علم الآثار لم يكن يُدرّس في الجامعات الجزائرية حتى أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وحتى الآن لا يوجد تخصص بالآثار الجنائزية. ويعمل فريق البحث على الجدارA  الذي يقع على الجبل الأخضر، الى جانب الصرحين B و C، والبقية تقع على بعد ستة كيلومترات على جبل العروي التي تعرف بالحرف D وصولاً الى الحرف M، يحتوي كلٌ منها على غرفة واحدة على الأقل بتلة كبيرة تؤدي الى متاهة من عشرين حجرة صغيرة تضم الغرف الجنائزية.
بعض هذه الغرف مجهزة بمقاعد وأماكن يعتقد الباحثون انها قد تكون مخصصة للعبادة، أما داخل المقابر فهناك رموز مسيحية قديمة، بالاضافة الى مشاهد للصيد ورموز للحيوانات محفورة فوق الأبواب. ويُعتقد ان الآثار المنقوشة قد تكون حروفاً أو رموزاً لاتينية لتعليم الأبواب، لكن مرور الزمن عليها جعلها غير قابلة للقراءة، ويؤكد الباحثون أيضاً أنهم وجدوا بين الطبقات التاريخية حروفاً اغريقية، على الرغم من اختلاف الآخرين بهذا 
الشأن.
التخريب والنهب
لقد بُني الجدار بعد عدة قرون من استغلال الاثار الجنائزية لما قبل الاسلام، التي وجدت في الوقت الحالي شمال الجزائر، لتكون آخر ما تم بناؤه من هذا الطراز قبل وصول
 الاسلام.  
يقول عالم الآثار رشيد: "ان اهم عنصر يميز الجدار هو قدم تاريخ بنائها". وتظهر هذه الصروح تطوّر طقوس الدفن في المنطقة، من أكوام ترابية بسيطة والأحجار التي تعرف بالجثوة الى قبور مبنية بالحجر، يصل ارتفاع بعضها الى 18 متراً، ويقول بعض الباحثين ان حجم الجدار وضعها في فئة خاصة بها.
وحسب ما جاء عن المفكر العربي المشهور ابن خلدون، فان أول وصف مكتوب عُرف عن الجدار كان للمؤرخ ابن رشيق في القرن الحادي عشر. ولم تكن الجدار تجذب الانتباه حتى أواسط القرن التاسع عشر، ومع أول الاستكشافات الأثرية الحديثة في الجزائر التي أجراها الاحتلال الفرنسي، بدأ الاهتمام بها؛ ففي عام 1865 شرعت القوات الفرنسية والسلطات الاستعمارية بحملاتها الاستكشافية في تسع من هذه المقابر، وعُزز استكشاف الجدار في أواخر ستينيات القرن الماضي بدراسة أجرتها عالمة الآثار الجزائرية فاطمة قدرة على مدى ثلاث سنوات للجدار A و BوC والتي تعتبر هي الأقدم من بين الاثار الثلاثة عشر والوحيدة التي تم اكتشافها منذ استقلال الجزائر.
لكن لا يزال بعضها لم يُدخل اليه حتى الآن، بسبب مرور الزمن وما تساقط من أوساخ وأحجار داخلها. وما اساء للمهمة الصعبة التي يقوم بها الباحثون اليوم هو النهب والتخريب وقلة 
الدعم.
صحيفة ميل آند غارديان