مكتبيون

ثقافة 2019/08/17
...

حميد المختار
  موت المكتبي القديم والقدير (بنيان) صاحب مكتبة الحضارة اعادني إلى فترة السبعينيات ايام كنا فتيان ادب نشيطين ومغامرين تملؤنا روح التمرد والبحث عن كل جديد، ننطلق من مقهى البرلمان في شارع الرشيد مرورا بشارع النهر ووصولا إلى مكتبة (حسن ضايع) قرب مبنى المواصلات ثم إلى الباب الشرقي وبداية شارع السعدون حيث مكتبة النهضة لصاحبها المرحوم (هاشم) ومكتبة الحضارة للمرحوم (بنيان) وووو وبعد ذلك المكتبة العالمية فيما بعد لمديرها جاسم المطير وهو كاتب مغترب 
الآن.
 وصولا إلى مكتبة (ابو طه) والمكتبة الفلسطينية، وطبعا لانستطيع ان نشتري كل شيء من تلك المكتبات، لكنني اتذكر رواية (السيد الرئيس) لستورياس في أول دخولها وصلت إلى مكتبة الاورفلي للمرحوم ابو ثامر وهجمنا عليها انا والمرحوم خضير ميري واتذكر كان معنا الكاتب الصديق علي حسين فقد كان مواظبا على الحضور في تلك المكتبة، وحين امر على مكتبة الحضارة وارى المرحوم (بنيان) بوسامته وشعره الرمادي والكاريزما التي كان يتمتع بها وهو يجالس كبار ادباء العراق مثل الشاعر عبد الوهاب البياتي والراحل الكبير عزيز السيد جاسم وغيرهم طبعا
، حين  ارى  كل  ذلك  أقف بلا حراك امام الواجهة الزجاجية وانظر خلسة لهم وهم يتحدثون حديث  الند للند كما لو كان صاحب مكتبة الحضارة اديبا كبيرا هو 
الآخر.
 انها علاقة المكتبي الحرفي الخبير بعالم الكتب مع الشعراء والادباء، يتحدثون في الشأن الثقافي والسياسي وحركة الكتاب العراقي طباعة ونشرا وتوزيعا وتصديرا، عالم حافل بالنشاط والحركة والكتابة والنشر، الكتب الجديدة تملأ الواجهات في معظم المكتبات ونحن الأدباء الشباب مفلسون لا نملك شروى نقير وقد يتجرأ بعضنا ويمد يده ليسرق كتابا لطالما حلم بقراءته، هم كانوا على الأغلب يعرفون وكثيرا ما كانوا يغضون النظر عنا، لكنهم في الجانب الاخر كانوا أساتذة في علم 
الكتاب.
 يعرفونه من العناوين ودور النشر ولهم علاقات معقدة مع دور النشر العربية وحتى العالمية،حين يتفقون على ترجمة بعض الكتب المهمة وطباعتها هنا في العراق وأحيانا في بيروت او عمان، واليوم وبرحيل آخر اساطين المكتبيين القدامى يسدل الستار على مكتبات شارع السعدون وشارع الرشيد، وحين امر على تلك المكتبات أجد ثمة اطلالا مازالت قائمة تحارب حرب وجود وإثبات هوية ومقدرة على البقاء، مكتبة النهضة يديرها اليوم الصديق علي وهو شقيق المرحوم هاشم ومكتبة الحضارة يديرها الصديق سام وهو ابن المرحوم بنيان وكذلك حسن ابن المرحوم هاشم أسس له مكتبة جديدة مجاورة لمكتبة النهضة حيث ورث حب المكتبات عن 
ابيه.
 انه اصرار المكتبيين على الوجود ومسايرة الجديد من غير أن يقطعوا الصلات مع العالم واصداراته وثقافاته المتنوعة، والأمل القادم والملموس هو شارع المتنبي الرئة والرحم الولود للثقافة العراقية برموزها الجديدة، شيبا وشبانا ومشاريع مستحدثة لدور نشر فتية تحارب لتجد لها مكانا ولتبدأ المشوار من 
جديد.