برنامج اليقظة الدوائيَّة.. سلطة صحيَّة بين المواطن والصيدليَّة

ريبورتاج 2019/08/19
...

بغداد/  بشير خزعل 
 
تصوير نهاد العزاوي
في أغلب الصيدليات يخير المريض الذي يريد شراء دواء معين بأنواع مختلفة من المناشئ المصنعة،  فمنها الاوروبي والاسيوي وشركات اخرى خارج هذه القارات، ولكل منها سعرها الخاص حسب الجودة وموثوقية الجهة المصنعة،  اسعار الادوية تتفاوت حسب قيمتها كعلاج وكسمعة معروفة للمستهلك والمكاتب العلمية التي تستورد تلك الادوية، في جانب آخر تنشط حركة تجارية في الخفاء لا تخضع الى ضوابط السلامة الصحية في نوع الدواء المستورد، وفي انواع من هذه الادوية لا تتناسب مع البيئة العراقية ولايؤدي استخدامها سوى الى مزيد من المضاعفات والخطورة الصحية على سلامة المرضى، وهذا الامر لا يهم جماعات وعصابات تهريب الادوية التي تمتهن تصريف الادوية المغشوشة الى الاسواق المحلية بمسميات وواجهات مختلفة. 
 
 تنافس
مئات الصيدليات غير المجازة او بعض المجاز منها لا تهتم بمصادر شراء الادوية ، خصوصا مع وفرة العروض التي يقدمها مندوبو الشركات والمذاخر من اجل الاستحواذ على اكبر عدد من منافذ التصريف للادوية  في مناطق واحياء بغداد . 
في المناطق الشعبية ينشط عمل الصيادلة في لعب دور الطبيب من خلال اعطاء بعض الادوية من دون الحاجة الى وصفة او استشارة طبية، عشرات انواع الادوية المختلفة يتم بيعها بشكل مباشر بناء على رغبة المستهلك الذي يشرح اعراض حالته المرضية للصيدلي  ليقوم باعطائه العلاج حسب قدرته الشرائية، فهنالك مناشئ متعددة وشركات مختلفة  بعضها اجنبية واخرى محلية، يقول رعد هاشم الحسني (صيدلي): العمل الصيدلاني بحاجة الى تنظيم ووجود سياسة دوائية تنظم عمل المكاتب العلمية والمذاخر والصيدليات، فعملية بيع وشراء الادوية اصبحت عملية تجارية بحتة قائمة على تصريف اكبر كميات ممكنة منها، واضاف الحسني أن الادوية منتهية الصلاحية وغير الرصينة المنشأ اصبحت امرا طبيعيا وهي متداولة في اغلب الصيدليات غير المجازة والتي تدار من قبل اشخاص لاعلاقة لهم بمهنة الصيدلة، والكثير منهم اصبح يستعين بمندوبي مذاخر الادوية للاستدلال على منشأ الصناعة للادوية،  الامر الذي جعل بعض المروجين والمندوبين يمررون  انواعا فاسدة ومغشوشة من الادوية الى الصيدليات وعيادات المضمدين الصحيين فهي الاخرى ايضا تبيع الادوية بسبب ضعف الرقابة. 
 
مستهلك
عماد علي موظف حكومي في وزارة الصناعة بين ان بعض الصيادلة صار همهم الاول الحصول على ارباح خيالية من خلال تجارة الادوية وخصوصا ادوية الامراض المزمنة والمستعصية، وصولا الى الادوية البسيطة التي تباع باسعار تفاوتية من الاعلى الى الادنى، قبل اسابيع قليلة اشتريت مرهما للعين لابنتي الصغيرة (6 سنوات)  وبعد يوم تورمت عينها واصابها احمرار وحرقة، وبعد فحصها من قبل الطبيب واطلاعه على نوع المرهم  تبين ان العلاج هو من منشئ تجاري وغير مطابق لابسط المواصفات الطبية ، وان هذه المواد اصبحت تصنع في ورش صغيرة بالاعتماد على وصفات صناعية من الانترنيت او بعض المصنعين المتقاعدين، واضاف علي أن الصيدليات ومذاخر الادوية بحاجة الى رقابة حكومية متخصصة تعمل وفق قانون خاص بالسياسة الدوائية في البلاد . 
 
 اليقظة الدوائية
 وزارة الصحة والبيئة اطلقت خلال العام الحالي بالاشتراك مع عدد من الوزارات العربية النظيرة، برنامج (اليقظة الدوائية العربي الموحد)، كما بدأت حملة لتوعية المواطن بـأهمية قرارات سلامة 
الادوية.
مديرة المركز العراقي لليقظة الدوائية في الوزارة الدكتورة منال محمد يونس  قالت :  برنامج اليقظة الدوائية يعنى بمتابعة سلامة الادوية، والوزارة ترصد اي اشكالية صحية تحدث عند استخدام دواء معين وتبدأ بتحليل المعلومات من حيث عمر المريض او كمية الجرعة، فهنالك ادوية مفيدة ببعض البلدان لكنها لا تناسب البيئة في دول اخرى لاسباب تتعلق بالجينات وطريقة استخدامها والنظام الصحي،  وبعد ان يتم التاكد من فعالية الدواء يتم اتخاذ القرار الذي يخص هذه المادة الدوائية حسب النظام الدوائي العالمي الذي يعمل على سحب الدواء من السوق اذا تسبب بضرر لصحة المواطنين خصوصا وان العراق اصبح جزءا من المنظومة العالمية منذ العام 2010 بدعوة من منظمة الصحة العالمية التي وضعت البرنامج العالمي لسلامة 
الادوية.
واضافت يونس أن الوزارة بموجب ذلك هي جزء من قاعدة بيانات عالمية تتضمن دراسات عن كل مستحضر دوائي، من خلال تبادل سريع للمعلومات، وهناك اجتماعات دورية لمراكز اليقظة بالعالم، اخرها عقد في شهر تشرين الثاني الماضي، وتم الاتفاق على ان يتم خلال 2019 اقرار برنامج يقظة دوائية عربي موحد تشترك فيه وزارات الصحة لدول العراق ومصر والاردن وليبيا والمغرب وتونس ولبنان وسلطنة 
عمان.
وبينت ان وزراء الصحة اجتمعوا في العام 2014 لانشاء نظام يقظة دوائية عربي موحد بين الدول، وبقيت الدول المشتركة بالبرنامج تعد كل سنة عددا من اللوائح والقرارات تخص الادوية لانجاز النظام الموحد بشكله النهائي خلال العام الحالي،  ونوهت مديرة المركز العراقي لليقظة الدوائية بان هنالك حاجة ماسة لتوعية المواطنين والملاكات الطبية والصحية لقبول قرارات اليقظة الدوائية، اذ بدأ التنسيق مع عاملي المؤسسات الصحية وشركات الادوية من اجل الزامهم باتباع جميع تعليمات اليقظة الدوائية، ثم التوجه الى المريض ليكون على علم بوجود سلطة دوائية بينه وبين الصيدلية، معلنة ان وزارتها ستطلق العام الحالي حملة اعتماد موسعة تبدأ باعداد اسبوع لليقظة الدوائية يتم من خلاله دعوة المواطنين الى التوجه الى اقرب مركز صحي او مستشفى في حالة حصول أي ضرر لهم بعد تناول علاج معين وصولا الى خلق بيئة دوائية امنة في 
البلاد.
 
محاكم
محاكم التحقيق المختصة صدقت  اعترافات احدى العصابات التي ‏طرحت أدوية منتهية الصلاحية في الصيدليات والعيادات الطبية، بعد ان وضعت عليها تواريخ جديدة ، اذ افتتحوا ورشة في أحد المنازل في بغداد لطباعة ليبلات على علب وقنان تحمل محتوى ‏فاسدا، وبين قاضي محكمة التحقيق  المختصة بقضايا النزاهة والجريمة الاقتصادية،  في بيان أن بيع الأدوية منتهية الصلاحية جريمة يعاقب عليها القانون تحت بند الجنايات وترد ‏الى المحاكم هكذا نوع من القضايا باستمرار ، ‏وأضاف  ان المحكمة أحالت متهمين يتاجرون بالأدوية الفاسدة (منتهية ‏الصلاحية) القي القبض عليهم بالتعاون مع مديرية مكافحة جرائم التهريب ، مبينا ان أحد ‏المتهمين كان يشتري الادوية من أماكن شعبية بأسعار زهيدة ويأخذها إلى الورشة التي يتم فيها تصنيع او تعبئة العلب القديمة بعد إفراغها من محتواها وغسلها ‏بأحواض وتجفيفها ومن ثم إعادة تعبئتها بالمواد المنتهية الصلاحية ووضع ليبلات او ‏علامات جديدة وضخها مرة أخرى إلى الأسواق العراقية كنوع دواء 
جديد .‏
 
صناعة محلية 
 وزارة الصناعة والمعادن افتتحت بناية المضادات الحياتية الجديدة في الشركة العامة للأدوية والمستلزمات الطبية في سامراء.،  وزير الصناعة والمعادن صالح عبد الله الجبوري قال في كلمة القاها خلال حفل الافتتاح :ان البناية أقيمت على مساحة 3600 متر مربع وبكلفة ثمانية مليارات دينار وفق أحدث المواصفات العالمية، وستشكل نقلة نوعية في مجال الصناعة الدوائية ، وبين ان البناية تضم ثلاثة أقسام إنتاجية من أرقى المناشئ الأوربية وبالأخص الإيطالية لانتاج الكبسول بطاقة 15 مليون كبسولة شهريا، وإنتاج الفيالات بطاقة 8 آلاف فيال بالساعة، إضافة إلى إنتاج المعلقات الجافة بطاقة 4200 قنينة بالساعة.
واضاف الجبوري أن مشروع المضادات الحياتية يعد صرحاً وإنجازا صناعيا جديدا وانطلاقة باتجاه مزيد من النجاحات ضمن خطط الوزارة الهادفة لتأهيل وتطوير شركاتها ومعاملها الصناعية، مشيرا إلى ان الخطط والبرامج التي انتهجتها الوزارة في ضوء المنهاج الحكومي تهدف إلى تطوير النشاط الصناعي وتعزيز القدرة التنافسية للمنتج الوطني، مؤكدا المضي في تبني رؤى ستراتيجية سليمة لخلق صناعة وطنية منافسة وداعمة لاقتصاد البلد.
وبين مستشار مكتب رئيس الوزراء الدكتور حمودي عباس مبنى المضادات الحيوية الذي تم افتتاحه في معمل ادوية سامراء سيعمل على توفير نوع من الأدوية المنقذة للحياة وسيوفر للبلد ملايين الدولارات، بدلا من استيراد هذه المواد من الخارج، والأهم من ذلك حماية المواطن من الأدوية المغشوشة أو المهربة وإنتاج الأدوية محليا، مؤكدا ان هذا العمل يمثل منجزا نوعيا ومردوده كبير لصالح البلاد.