عادات جديدة تغزو المجتمع العراقي 

ريبورتاج 2019/08/20
...

بغداد / فجر محمد 
تحضيرات الحفل الذي كانت تعد له الثلاثينية (أ ، م) في منزل العائلة اثارت استغراب المقربين والجيران، اذ كانت تحضر لحفلة طلاق كبيرة وتقول جارتها (س ،ح):
« وصلنا اتصال هاتفي من جارتنا المنفصلة توا تدعونا فيه انا والعائلة لحضور حفل بمناسبة انفصالها عن زوجها، استغربت كثيرا في بادئ الامر اذ كانت نبرة صوتها تدل على الفرح والسرور وهي تزف لي خبر انفصالها، ولكني لبيت الدعوة».
الباحثة بالشؤون الاجتماعية والنفسية الدكتورة ندى العابدي ترى ان هناك العديد من العادات والتقاليد غزت المجتمع بسبب مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت وتم تقليدها من دون تفكير مسبق بخطورة هذا التقليد الذي قد يدعو الى التفكك الاجتماعي والاسري، لان الاحتفال بالطلاق يعطي مؤشرات خطيرة ومنها انحلال المجتمع، علما انها تقاليد هجينة على مجتمعاتنا العربية، وقد يؤدي تراكمها والاعتياد عليها الى انهيار منظومة القيم الاخلاقية. 
 
تكاليف باهظة
بوجه تعلوه إمارة الاستغراب تكمل حديثها الجارة قائلة:
«الفضول دفعني وبناتي الى حضور الحفل وتفاجأنا عند دخولنا بالتحضيرات المعدة سلفا من بالونات وقطع حلوى، فضلا عن حضور مجموعة من اقارب واصدقاء جارتنا المنفصلة منهم من كان متفاجئا ومنهم من دفعه الفضول للاستفسار عن سر هذه الفرحة العارمة».
ياسين كامل صاحب أحد قاعات الاعراس والمناسبات يقول:
«اصبح هناك اقبال اليوم على اقامة حفلات متنوعة من بينها الطلاق واعياد الميلاد الباذخة، اذ قبل ايام معدودة استقبلنا سيدة تتهيـأ لحفلة انفصال وترغب بان تكون فخمة وليست مجرد احتفالية صغيرة، كما ان وجود هكذا مظاهر لم يعد امرا مستغربا في مجتمعاتنا وذلك لان تقليد كل ماهو غريب ودخيل على المجتمع اصبح شيئا واردا بشكل كبير».
 
احصائيات
ترجح التقارير المختلفة ان فكرة حفل الطلاق تعود  إلى الياباني «هيروكي تيراي» الذي بنى قصراً للطلاق، وأصبح متعهِّداً لتلك الاحتفالات، اما  عربياً فقد كانت دول الخليج أول من بدأ هكذا نوع من الحفلات، قبل أن تنتقل إلى بقية الدول العربيةالتي تشهد يومياً 410 حالات طلاق، بحسب إحصائية صادرة عن مراكز االبحوث المختلفة.
كما يشير الاستشاريون النفسيون والاجتماعيون من خلال دراساتهم وبحوثهم المنتشرة على المواقع الالكترونية الى ان قيام بعض المطلقات في الآونة الأخيرة بإقامة حفلات طلاق، إلى التقليد، ونقص تقدير الذات، وعدم احترام مشاعر الأسرتين، وعدم تقدير الآثار السلبية على الأبناء إن وجدوا، وأكد أن بعض المطلقات يقمن بذلك تعبيراً عن الرغبة في الانتقام، خاصة المطلقة التي تعرَّضت في حياتها الزوجية إلى الإهانة والإساءة النفسية أو البدنية أو أمضت سنوات من المعاناة للحصول على الطلاق.
أن لهذه الحفلات آثاراً نفسية واجتماعية سلبية على المطلقة نفسها، لأنها ستندم لاحقاً عندما تفيق من نشوة الانتصار الزائف، فستتشكل  لديها شخصياً رسالة سلبية ذات اتجاهين، حيث ستعزف عن الزواج مستقبلاً لأنها رسَّخت موقفاً سلبياً في فكرها، وأيضاً ستكون قد أوصلت رسالة إلى كل مَن يفكر في الارتباط بها، بأنها ستفعل الشيء نفسه
 معه إن انفصلا.
 
فطام الأطفال
«ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصور سيدة مع طفلها في حفل اقامته بمناسبة فطامه عن الرضاعة، وظهرت الام وهي تحتضن طفلها وتضع كعكة مشكلة بهيأة حفاظات للاطفال» بهذه العبارات استهلت حديثها الستينية ام احمد  وتقول:
«ان هذه الطقوس غريبة على المجتمعات العربية، ولكن الانفتاح والتطور التكنولوجي ومواقع الانترنت نقلت هذه التجارب الغريبة الى بلادنا، اذ اصبحت العوائل تحاول تقليد العادات الغريبة من دون وعي او فهم».
في حين تعتقد العشرينية بشرى جمال ان الاحتفال بفطام الطفل ليس بامر مستهجن او مضر بالمجتمع فهو مجرد تعبير عن فرحة الاهل ببلوغ طفلهم العام او العامين، اي انه سيكبر وينضج ولذلك تختار العائلة افكارا متجددة لتعلن عن فرحها وبهجتها بطفلها، وفي الاونة الاخيرة اختار الكثير من الاباء والامهات ان يقيم حفلات صغيرة تضم الاهل والمقربين بمناسبة فطام طفلهم الاول.
 
فرحة الخلاص
«لم يظهر على الثلاثينية(أ ،م) اي علامة من علامات الانزعاج او الاستياء بعد انهيار زواجها، بل على العكس ارتسمت على محياها امارة الفرح والبهجة وكأنها كانت تنتظر ساعة الخلاص» هذا ما قالته جارتها (س، ح) واكملت حديثها قائلة:
«منذ ان دخلنا الى مكان الاحتفال انا وبناتي ونحن نشهد مظاهر غريبة لم نعهدها، اذ بدت البهجة مسيطرة على العائلة، ربما كانت مجرد ردود افعال غير متزنة نتيجة المشاكل والاذى الذي تعرضت له ابنتهم طوال سنوات زواجها».
اما صديقتها المقربة شيرين وسام فهي تؤكد على ان رفيقتها عاشت سنوات من العذاب والالم مع زوجها لذلك لم تتوان للحظة واحدة من التعبير عن فرحتها وبهجتها لحصولها على حريتها الشخصية.
الباحثة بالشؤون الاجتماعية والنفسية رجحت ان يكون الحزن والالم هما الدافعان الاقوى اللذان يدفعا المنفصلين الى اشهار فرحتهم او الادعاء بالفرح والبهجة، في حين ان الحقيقة هي عكس ذلك تماما اذ ان الانفصال يعني انهيار مؤسسة اجتماعية وهذا ليس بالامر الهين وضحاياه كثر منها الاطفال الذين يجدون انفسهم وسط جو اسري مفكك مليء بالاحتقان والمشاحنات، كما ان هكذا تصرفات دليل واضح على انسلاخ الافراد عن مجتمعاتهم في حين بالسابق كان هناك احترام لعادات وتقاليد المجتمع.
اما الثلاثينية (م، ر) التي تمتهن اعداد الحلوى وقوالب الكعك عبر صفحتها الفيسبوكية وبينما هي تعد احدى القوالب التي ترمز الى الانفصال تبين ان هناك الكثير من النساء اليوم يحتفين بانفصالهن باساليبهن الخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويطلبن اعداد الحلوى ابتهاجا بانفصالهن عن ازواجهن.
 
الانتعاش الاقتصادي
«ان اقامة حفلات الانفصال والفطام وغيرها من الاحتفاليات هي دلالة على الانتعاش الاقتصادي وزيادة دخل الفرد» هكذا يرى الباحث بالشؤون الاقتصادية ليث علي ويتابع قوله:
«ان الفرد العراقي معروف بالبذخ وهو يراكم نفايات قادرة على اطعام مليونين ونص المليون شخص يوميا، وهذا كله يرتبط بالتبذير الذي هو ليس فقط قضية اخلاقية واجتماعية بل هو دينية ايضا، علما ان افراد المجتمع اكتسبوا عادات وتقاليد من ابائهم واجدادهم ترتبط ارتباطا شديدا بالتبذير، وفي الدول المتقدمة والاوربية هناك قوانين صارمة تحارب الاسراف لارتباطه بهدر الثروات الاقتصادية.
ويلفت الباحث بالشؤون الاقتصادية الى انه في فترة الثمانينيات والتسعينيات كان عمر الفرد كحد اقصى يصل الى 53 عاما، اما بعد عام 2003 فقد بينت الدراسات ان العراقي من الممكن ان يصل الى سن الـ 66 عاما ويتجاوزه نتيجة التغذية الصحيحة وزيادة دخله الذي مكنه من السفر والتجوال في دول العالم المختلفة.