وجدان عبدالعزيز
تبقى اللغة الشعرية هي جوهر الابداع، وهنا نقول اللغة الشعرية.. فمهما تعددت اللغات في العالم وتفرعت الى لهجات، ستبقى تحمل صفتها الشعرية المغايرة للغة الحياة اليومية، كما هو الشأن في اللغة الشعرية العراقية المصاحبة للشعر الشعبي العراقي، الذي ركب اللهجة واتخذها اسلوبا في بناء الصورة الجمالية المدهشة..اذن اللغة الشعرية ولادات تتماوج، فتعطي الوانا مبهجة، فنحن نتذوق الشعر في اللغة الفصيحة، وقد ننحاز له، لكن تأتي الروعة ايضا في اللهجة العراقية الدارجة، فتدهشنا بروعة صورها، وتعكس لنا قدرة الشاعر الشعبي على خلق صور وتراكيب شعرية جديدة، يقول ادونيس عن اللغة الشعرية : (إذا لم أكتبْ، فأنا أشعرُ بأنَّني غير موجود. بالكتابةِ أكتشفُ من أكون، أتعوَّدُ اكتشاف ذاتي، والإفصاح عنها... تتيح لي الكتابةِ أيضاً معرفة الآخر. ومعرفة العالم بالتأكيد. يراودني إحساسٌ بأنَّ الحياة بأكملها حركة اكتشاف متواصلة. وهذه الحركة تتيح للإنسان أن يشعر بأنَّه موجود، وأنَّه يساهم في خلق العالم، وفي تغييره...وما يمكن أن يقال عن الشعر، يمكن أن يقال على جميع أشكال الخلق والفن والفلسفة...إلخ)، هذه المقالة تدل على الفرق بين اللغة المحكية، وبين اللغة الشعرية، فالاخيرة تصاحب جميع لغات العالم وتتفاوت في اثارة الدهشة لدى المتلقي .. واليوم نحن امام الشاعر محمد محسن محمد، الذي اخذنا الى اجواء غاية في الروعة والجمالية الشعرية
بقوله :
(ياصفنه التجيبك وافتحلها الروح
ورقة وتنكتب بيها ويضيع الشوف
ياسكته التصادر اثر جدم الصوت
وبفهرست افهمك مالكيت احروف
قصدك ؟
لو جنت ماتدري من خليت
شفتين الجرح ... مايشتهن اي روف
جا شنهو اعله بالك جان من ضميت
باخر صفحه من عمري
عطش من ماي
وشديت انتظاري بخيط من نسيان
ادك يابيت)
فعالج قضية القلق الانساني، وتعطشه للوصول الى حقيقة الحياة وكنه الكون وكنه الروح بقوله : (باخر صفحة من عمري/ عطش من ماي/وشديت انتظااري بخيط من نسيان/ادك يابيت)، فالقلق دخله بحيرة البحث عن المنفذ، وقضية الانتظار التي يعيشها الانسان منذ الولادة.. اذن الانتظار هو عبارة عن كيفية نفسانية ينبعث منها التهيؤ لما تنتظره وضده اليأس، ودليلنا الاخر قول الشاعر محمد في مناجاة
الاخر:
(هسه كلي
منين اطبن لامنياتي
شلون اسد باب الملح
ونته ليل بطول صبري
شسكي هذا الليل ويخضر صبح
هسه كلي
مو قفلت القفص بيدك
ليش تشطب ازغر احلام الجنح)
فهو يحاول التحليق، يحاول امتلاك الحرية، لكن ذاته، التي لاتستطيع دون ذات الاخر، تبقى منشدة للارض، منشدة لذلك الذي تربطه به مشتركات انسانية، تحاول تقنين حالة التحليق، وبالتالي الانخراط مع المنظومة الانسانية ذات المشتركات في كل
احوالها.