باقر صاحبما
زالتْ كتب السيرة الذاتيّة موضوعة متجدّدة تُتداول في الندوات والدوريّات الأدبيّة والصحافة الثقافيّة، لفتت نظرنا إلى ذلك، راهناً، استضافة معرض عمان الدولي للكتاب للكاتب المصري محمد سلماوي وآخرين، للحديث عن كتابه الأخير (يوماً أو بعض يوم) وهو يتناول سيرته الذاتية، تحدث بصراحة عن اختراقه بعض التابوات، التي يتردد كتاب السيرة العرب في التجرؤ على اختراقها في ما يكتبون، مع يقيننا نحن، بقلّة كتب السيرة الذاتية عند العرب وشيوعها لدى الغرب، للسبب ذاته.
معايير كتابة السيرة بحسب تجربة سلماوي في الكتاب المشار إليه.. أولها "الصراحة والصدق" مشيراً إلى أنَّ عديد كتاب السيرة العرب، يرسمون الصورة المثاليّة لأنفسهم، مسقطين ذكر ماهو سلبي في سيرهم، لكنّه اطّلع على سير كتاب ينطبق عليها المعيار الأول، مثل مذكرات سعد زغلول ولويس عوض.
المعيار الثاني كان "التواضع" وبحسب ما يذكر أنّ الإنسان مهما تبوَّأ من مناصب لايساوي شيئاً ولن يبقى منه إلا العمل المفيد للإنسانيّة، معرجاً، في سبيل تعضيد كلامه إلى سورة (المؤمنون) في القرآن الكريم، ومن بعض آيات تلك السورة عثر على عنوان سيرته.
المعيار الثالث "التوثيق" أي أنّ على كاتب السيرة ذاته أن يثبت ما يقول في سرده وقائع حياته، بوثائق تكتظُّ بها صفحات كتاب السيرة.. ربما تكون رسائل وقصاصات صحف، فضلاً عن صور فوتوغرافيّة، فيذكر أنّه نشر في كتابه هذا 150 صورة.
نلاحظ، من خلال اطلاعنا على ما كتب بشأن السيرة الذاتيّة عربيّاً، أنّ هناك عزوفاً من الكتاب عن الانصراف إلى هذا الجنس الكتابي، لأنَّ الكاتب العربي الصادق مع نفسه وجمهور قرّائه سيجد نفسه بين نارين؛ فعليه لزاماً أن يُعَرِّي ذاته سلباً وإيجاباً كي يحقق الصدق الفنّي في كتابة سيرته، ثانياً: الخشية من ردود فعل محيطه الاجتماعي، تتصدرها ردود فعل الأسرة والقبيلة. وما بين الأول والثاني، هناك تردد من قبل عديد الكتاب، في كتابة سيرهم كما جرت مقادير حياتهم، خشية أن تتصدّع صورهم المثالية أمام المحيط الاجتماعي والقرّاء، على سبيل المثال إنَّ الكاتب العربي الوحيد الحائز على نوبل الراحل نجيب محفوظ لم يجرؤ على كتاب سيري يذكر فيه تفاصيل حياته، بل كتب ما عنوانه (أصداء السيرة الذاتية)، يذكر فيه عموميّات تجاربه في الحياة وليست خصوصياتها، ولكن القرّاء وعشّاق كتب السيرة الذاتية يريدون التعرّف على تلك الخصوصيات، وكيف هي المسارات غير المكتشفة في حياة حائز نوبل وغيره من كبار الكتاب رجالاً ونساءً؟، كي يعرفوا بالتفاصيل الدقيقة كيف حازوا على الشهرة والخلود؟، إنّ هؤلاء نبراسٌ لهم، وهذا وهو الدرس الأزلي للقراءة الإيجابيّة.