شرعية {نظرية المؤامرة»

آراء 2018/11/09
...

محمد شريف أبو ميسم 
 
يقال ان التخطيط وظيفة لاتنتهي ما بقي الانسان، فهذا الكائن يخطط ليومه ولغده من أجل تحقيق أهدافه ومصالحه، وهو مجبول على المنهج العقلي بوصفه كائنا يحتكم الى قوة العقل. وعلى مدار تاريخ تطور الانسان وتشكيل الحضارات الأولى مرورا بالعصور الوسطى والثورة الصناعية وحتى يومنا هذا الذي يشهد تطبيقات هائلة في تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصالات والتقانات الاحيائية وعلوم النانو في اطار ما يطلق عليه باقتصاد المعرفة الاحتكاري، والانسان يخطط ويسعى لتوظيف الموارد الطبيعية والبشرية في سياق الفردانية والبنائية لتحقيق أهدافه. 
ومن خلال ذلك شهد التاريخ الانساني تعديات كثيرة على حقوق الغير، طمعا بما لا يملكه الانسان، ورغبة في التفوق على الآخر بدوافع تضخم الذات والتبجح بالانتماء، فكان يخطط ويدبر من أجل الاستحواذ والهيمنة وفق اساليب يلبسها تارة رداء الشرعية، وتارة أخرى يسعى اليها دون استحياء وبشكل فاضح.
وحين تصدرت أقوام على أقوام أخرى في مسيرة الحياة، تكرست مناهج التخطيط في اطار فلسفة الغلبة جرت الى سلسلة من الحروب الكونية والاقليمية قبل وبعد الحربين الكونيتين وما أعقبهما من حرب باردة وحروب اقليمية ومناطقية، وظل التخطيط سمة ملاصقة لرغبة التفوق على الآخر وللمنهج العلمي في أداء المؤسسات والدول والتكتلات الاقتصادية، ليكون التخطيط الستراتيجي فيما بعد من بين أهم علوم الادارة، على الرغم مما يقال بشأن التغيير بوصفه الثابت الوحيد في هذا العالم في اطار الليبرالية الجديدة التي تتخذ من التكتيك أداة للتعاطي مع المتغير في اطار التخطيط الستراتيجي.
من هذا المنطلق التاريخي والواقعي، كان من يحتكم على أدوات التخطيط والتنفيذ ليحقق مصالحه وأغراضه على حساب مصالح الغير وحقوقهم، يوصف بـ"المتآمر" بوصفه ماسكا بأدوات التفوق، وكثيرا ما تعرضت الشعوب المتخلفة لاساليب محكمة في التخطيط (التآمر) للاعتداء على حقوقها، ابتداء من مراحل تجارة الرق والعبيد التي ظهر سوقها انطلاقا من أفريقيا على يد الأوربيين بعد الثورة الصناعية مرورا بظهور العالم الجديد في أميركا الشمالية وابادة شعب الهنود الحمر، وحتى اغتصاب أرض فلسطين واقامة الكيان الاسرائيلي وصولا الى وقتنا الحاضر الذي يشهد اعادة انتاج "نظرية التوسع والهيمنة" عبر أدوات العولمة الثقافية والاقتصادية، بهدف تشكيل النظام العالمي الجديد بعد نهاية الصراع بين الشيوعية والراسمالية فيما سمي بالحرب الباردة.
ومع تصاعد وتائر التصدي لاساليب التخطيط في مشاريع الهيمنة التي تقام على حساب مصالح الغير، ظهرت الحاجة لتسفيه وتسطيح أي محاولة لاشاعة الوعي وفضح الادوات والاساليب المعتمدة في تطبيقات التخطيط الستراتيجي، فاصبح المنهج العقلي المعتمد على تحليل المعطيات والوقائع محط سخرية العوام وأنصاف المثقفين الذين يعيدون اجترار ما انتجته المؤسسات القائمة على مشروع نظام العالم الجديد الذي تقوده الليبرالية الجديدة.
وهكذا صيّر الخوض في قراءة أساليب التخطيط الرامية الى الغلبة والتصدي لها، محض عزاء للمهزومين والفاشلين في ادارة ذواتهم ومصالحهم، ومن الأهمية بمكان أن يترك للمنتصرين ادارة شؤون المهزومين في اطار عملية التغيير الكونية التي تديرها الشركات التي تحكم العالم والرساميل العالمية التي تحتكم عليها بضع عوائل مهووسة بالسادية وبرغبة الهيمنة على العالم، ليكون انصاف المتعلمين والمصابين بغيبوبة الوعي، في صدارة المتصدين للمنهج العقلي في التحليل، عبر اجترار تهمة "نظرية الموامرة" والالقاء بها في طريق الوعي الجمعي الذي يراد له أن يكون أسيرا للتغيير وغير قادر على قيادته.