حسين الصدر
- 1 -
الإمام محمد بن علي (عليه السلام) هو خامس أئمة الهدى من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
وهو مدرسة كبرى اشتملت على كنوز العلم والمعرفة والأخلاق وسارت بأخباره الركبان، بعد أنْ ملأ الدنيا علماً وهَدْياً.
لقد جمع المجد من أطرافه، وانطوت شخصيته الفذة على أعظم السجايا والسمات ما جعله المنار الهادي، والحصن الحصين للإسلام عقيدة وشريعة، وحفلت سيرته المباركة بأروع المواقف وأغنى الدروس.
- 2 -
وجاء في وصيتهٍ لِوَلَدِهِ الإمام الصادق (عليهما السلام) قوله:
“إنَّ الله خَبَّأَ ثلاثةَ أشياءٍ في ثلاثةِ أشياء:
خَبأ رضاه في طاعته فلا تحقرنَّ من الطاعة شيئاً فلعلَّ رضاه فيه.
وخَبَّأَ سخطَهُ في معصيتِه، فلا تحقرنَّ من المعصية شيئاً فلعل سخطه فيه.
وخبّأ أولياءه في خَلْقِه فلا تحقرنّ أحداً فلعله ذلك الولي”
إنّ هذه الوصية ثمينة للغاية.
وهي أشبهُ ما تكون بخارطة طريق للتعامل مع الأشياء والأشخاص.
وقد تناولت الإشارة إلى المخبّات الثلاثة: رضا الله، وسخطه، ووليه من العباد.
وباختصار شديد نقول:
إنَّ الفهم الدقيق لهذه الوصية يُبعد عنّا شبح الاستهانة بالطاعة لله ويثري حياتنا بألوان منها بحيث يجعلها واحة فوّاحة..
إنَّ إيواء أرملة فقيرة مع أطفالها، وتوفير ما يلزمهم من الحاجات الحياتيَّة قد يكون الطاعة التي توجب رضا الرب ومعها يكون الفوز والخلود في النعيم.
وإنَّ إدخال السرور على قلب صبي يتيم فقد أباه شهيداً في دفاعه عن الوطن الحبيب قد يكون السبب في إحراز الرضا الإلهي عنك وإنَّ إيثارك أخاك المعوز بما أعددتُه للإنفاق على (عمرة مفردة) قد يكون الطاعة التي تنال بها الرضوان، وهكذا.
فلا بدَّ من اغتنام الفرص واستثمارها بأعمال البر والإحسان والخير، والثبات على هذا الخط وصولاً إلى نيل رضوان الله الذي هو أقدس الغايات وأهمها على الإطلاق.
حسبي رضاك بكل وجهٍ أمكنا
فاذا رضيت فتلك غايات المنى
والكثيرون منا لا يبالون بالأكاذيب، يخترعونها اختراعاً
ولا بما يجترحونه من الغيبة، ويطلقون التهم الكاذبة ويسوقون البذاءات المنكرة دون تحرَّج أو تورّع..
وكل مفردة من هذه المفردات قد تكون المعصية التي توجب سخط الله عليهم، وبالتالي فهي المهلكة لا محالة، وهل يعقل أنْ يستهان بما يوجب الدخول في
النار؟
وقد دأب الناس على التعويل على (المظاهر) في حين أنّ (المخابر) هي الأساس.
فقد تلتقي بإنسان فقيرٍ ضعيفٍ رثِّ الهيئةِ فتزدريه، غافلاً عن حقيقتِهِ المخبأة عنك.
وهو في الواقع رجلٌ طاهرُ السريرة، عميقُ الصلة بالله، موفور الإيمان.
ومِثْلُ هذا الإنسان حقه التكريم والتبجيل، لا الازدراء والاستهانة،
وهكذا استطاع الإمام الباقر “ع” أنْ يلخص بكلماتٍ قلائل طرائق التعاطي السليم مع الأشياء والأشخاص وفق خطٍ مستقيم، ومنهاج عظيم.