ثقافة الخوف

آراء 2018/11/09
...

 عدوية الهلالي 
 
في كتابه "مذكرات أمير منبوذ"، يحكي الأمير المغربي مولاي هشام عن درجة الخوف التي كانت تنتاب المحيطين بالملك الراحل الحسن الثاني، وعن المدى الذي وصل إليه التملق من بطانة الحاكم، فيقول: "كان الحسن الثاني يحب مشاهدة الأفلام في جو عائلي بالقصر الملكي بالرباط، وفي إحدى المرات، بينما كان عامل السينما يركب الأجهزة لإطلاق العرض في صالة السينما بالقصر الملكي بالرباط، سأل الملك الحسن الثاني: "ما هو عنوان الفيلم الذي سنشاهده هذا المساء؟"، فرد الموظف البسيط بدون تردد: عنوان الفيلم يا سيدي هو: " الرصاصة الأخيرة من نصيبي" .. بعدما انطلق العرض - يقول مولاي هشام- قرأنا جميعا عنوانا آخر في بداية الشريط السينمائي وكان هو: "الرصاصة الأخيرة من نصيبك" . 
لم يجرؤ العامل البسيط على الإفصاح عن عنوان فيلم أميركي أمام سيده، وخشي غضب مولاه إن ذكر أمامه أن العنوان الحقيقي للفيلم هو «الرصاصة الأخيرة من نصيبك». ضحك الجميع من خوف الموظف لكن الملك الراحل استحسن هذه اللباقة من أحد رعاياه، وهي في الحقيقة ثقافة الخوف والاستعداد لتغيير الواقع لكي يبقى السيد مرتاحا والملك مطمئنا والسلطة راضية.
يرى بعض العلماء ان جزءا كبيرا من الخوف الذي نعيشه هو غريزة بشرية وليس وليد النظم السياسية الحديثة ولكن اسيء استغلاله وتوظيفه في خدمة الاستبداد والابقاء على أخلاقيات وعادات تؤدي دورا سلبيا في حياة الافراد والمجتمعات، وهكذا نشأ الخوف من السلطة ليغرس جذوره في نفوس العامة ونشأت مصطلحات ( ثقافة الخوف) أو (مناخ الخوف) التي يرددها بعض العلماء والكتاب والسياسيين الذين يعتقدون ان بعض أفراد المجتمع يبثون الخوف في نفوس العامة لتحقيق أهداف سياسية ..ويأتي دور النظم السياسية الحاكمة عندما يظهر الخوف من الموت الى السطح سواء بعدم الاحساس بالامان جراء عمليات ارهابية أو عند التعرض لنزاع عسكري ووقتها " يصبح الناس اكثر قابلية لاحتضان الزعماء الذين يوفرون الامان النفسي عن طريق اشعار المواطنين بأن لهم قيمة في مهمة كبيرة للقضاء على البشر " كما يقول بروفسور العلوم الاجتماعية الاميركي شيلدون سولومون ..من هنا ، يجد المواطن نفسه محاطا على الدوام بسور من الخوف من السلطة ولده الخضوع الطويل للدكتاتورية ثم الخوف مما تحيطه به السلطة من توجس وأخطار محدقة به ليجد فيها حمايته ويبقى تابعا لها تحت مسميات الديمقراطية والانتخابات ، فالخوف يجعل الناس اكثر حذرا ، واكثر طاعة واكثر عبودية – كما يقول سقراط- لذا يستخدمه الحكام بتفنن لتحويل شعوبهم الى جحافل من القطعان المرعوبة العاجزة عن مساءلة حكامها ، وهو مايضمن بقاءهم في السلطة باريحية ..
فالمواطن مشغول حاليا بالخوف من عودة داعش ومن تكرار الاغتيالات وازدهار الجريمة في مختلف المحافظات ومن ( المؤامرات) التي تستهدف أرضه ومياهه وثرواته الزراعية والسمكية ..والحكومة مشغولة بترسيخ وجودها والمحافظة على مناصبها عبر استغلال حاجة الناس الى الأمن والقبول في سبيل ذلك بالوضع القائم مهما كانت المساوئ ، اذ يظل خيارا أفضل في نظر الكثيرين بالمقارنة مع احتمال تحول البلد الى ساحة للجريمة أو الحرب أو الارهاب ، وبالتالي تتخلص السلطة من ضغط الشارع فلا تضطر الى التغيير ..واذا كان العامة يخضعون لسياط الخوف من المجهول ويتشبثون بما يبقيهم على قيد الحياة، فعلى النخبة المثقفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية أن تكون رقيبة على السلطة حتى لاتستغل خوف المواطن وان تنضوي عنها خوفها المرضي الذي يجعل الانسان يسكت عن الخطأ او الظلم او الفساد أو الاستبداد خوفا على السلامة الشخصية او المصالح أو الامتيازات ..هذا الخوف الذي لايرى بالعين المجردة بل يختبئ خلف غطاء التبريرات السياسية والنفسية والاجتماعية التي يقدمها المثقف للهروب من قول
 الحقيقة .
لابد لنا اذا كنا ننوي الانتفاضة على الخوف المتأصل في نفوسنا ان نتحرر من التبعية والسكوت عن الحق، فالنفوس الشريفة لاترضى من الاشياء الا باعلاها وافضلها ، ونحن نمارس لذة الحلم بحياة افضل دون ان نسعى لتغيير واقعنا المرير ..ليس ذنبنا مثلا ان نمارس الفوضى والسلبية في حياتنا فظروفنا اجبرتنا على ذلك وحكوماتنا ربتنا على الخنوع لأنها استخدمت سوط السلطة بسبل متعددة، لكن الانسان يجب ان يكون اقوى من الظروف ويشكل حياته بيديه ، ولأن حكوماتنا لم تلامس انسانيتنا يوما وعاملتنا كادوات لنفخ السلطة فقط ،فلابد ان نتخلص من عيوبنا وننتفض على اسلوب تربية آبائنا ورؤسائنا ، وألا نضطر بعدها الى التدافع من اجل كسرة خبز او السير (جنب الحائط ) لضمان رضا السلطة.