الاجتهاد بصرف الأدوية يهدد حياة المرضى

ريبورتاج 2019/08/24
...

بغداد/ رلى واثق 
لم  يخطر في بال الثلاثينية ياسمين احمد انها ستزور في يوم من الايام  مستشفى الطفل، لكنها وصلت إليه مضطرة لانقاذ طفلها ذي السبعة اعوام الذي تناول دواء من دون وصفة طبية.
وتقول احمد انها لجأت الى احدى الصيدليات القريبة من دارها وشرحت لصاحبها حالة طفلها، فبشرها الصيدلي بعد ان سحب علبة دواء من احد الرفوف مؤكدا ان هذا الشراب هو المناسب لعلاجه، فاشترتها وعادت مسرعة الى المنزل، ولم تمض الا ساعات قليلة حتى بدأ الطفل يفقد توازنه ولا يقوى على الوقوف، ففقدت صوابها، وبعد الكشف تبين ان العقار الطبي لايصلح لحالة الطفل وان الجرعة التي تم وصفها مبالغ بها وفقا لعمره.
وتوضح احمد الاسباب التي دعتها لذلك:
“لدي طفلان وتعرفت من خلال الخبرة عن العلاجات المطلوبة، وهذه ليست المرة الاولى التي اعتمد فيها على تشخيص الصيدلي واخذ العلاج المناسب، والسبب الاخر هو الزحام في عيادات الاطباء غالبا، ناهيك عن ارتفاع اسعار الكشفيات والأدوية وغيرها من الاسباب التي جعلت من السهل اللجوء الى الصيدلية مباشرة”.
 ويرى الصيدلي الدكتور محمد عبد الله :
“هناك ثلاثة تصنيفات للادوية فمنها ما يصرف من دون وصفة طبية وهناك ما يتطلب صرفه وجود وصفة طبية واخرى مقيدة لا تصرف الا بوصفة خاصة، ولا توجد في اغلب الصيدليات كونها تصنف ضمن الادوية المخدرة، وما يحدث في الصيدليات الخاصة هو تجاوز خطير لا سيما في صرف الادوية التي تتطلب وصفة طبية كالمضادات الحيوية وادوية الامراض المزمنة”.
ويضيف عبد الله :
“للصيدلي دور مهم  في توعية المجتمع بأهمية الوصفة الطبية على ان يكون الصيدلي عونا على سلامة المريض، وذلك بالامتناع عن صرف الدواء من دون وصفة لما له من اضرار على صحة المريض والابتعاد عن الاهداف الربحية”.
 ومن جانبه يقول الطبيب الدكتور حسين هادي:
“العقاقير الطبية هي مواد كيميائية اجريت عليها العديد من الدراسات قبل المصادقة على استعمالها من قبل المرضى لاغراض محددة وبجرعات دقيقة ولمدة زمنية محددة لا يمكن تجاوزها، وتكاسل المريض عن الذهاب الى الطبيب والاعتماد على الاجتهاد الشخصي او تشخيص الصيدلي لايجدي نفعا في الحصول على العلاج المناسب واحيانا يؤدي صرف العلاج الخاطئ او اختلاف الجرعات الى التسمم او الوفاة”.
 
الجشع سبب
الوكيل الاداري لوزارة الصحة الدكتور هاني  العقابي بين أن”هنالك ادوية بسيطة يمكن ان تصرف لعلاج امراض معينة كالانفلونزا او خافض للحرارة وغيرها من قبل الصيادلة، في حين هنالك ادوية غير مسموح بصرفها ابدا،  ففي دول العالم لا يسمح بصرف الكثير من العلاجات من دون اعتماد وصفة طبية خوفا من حدوث اضرار جانبية للمريض”.
ويؤكد العقابي أن”هناك خلطا  لدى الصيدلاني بين انواع الادوية التي يمكن صرفها او لا، فقد ظهر ان نسب مقاومة البكتريا للمضادات الحيوية في العراق هي الاعلى في العالم كون المضادات منتشرة في كل مكان اعتباراً من الصيدلية مروراً بالاسواق الشعبية والبسطات وغيرها من الاماكن”.     
وتحذر وزارة الصحة المواطنين على حد قول وكيلها:
“ نحذر من صرف الدواء للمرضى من دون وصفة طبية، اذ ان غالبية الامراض  التي تصيب المواطنين وعند عملية زرع الادرار يتبين  ان مضادا حيويا واحدا يمكن ان يعالج هذا المرض من اصل 20 مضادا اخر كونه يناسب ووظائف الاجهزة الاخرى”.
وتابع العقابي” ان ما يجعل المواطنين يتوجهون نحو الصيدليات او الى المعاون الطبي هو ارتفاع اجور كشفية غالبية الاطباء، فضلاً عن اسعار الادوية التي توصف للمريض، هذا وفي غالبية الاحيان يخطئ المعاون الطبي في اعطاء ابرة للمريض لعلاج الانفلونزا بمزج ابرتين مع بعض، في حين ان مثل هذا الامر غير موجود في كل العالم فمفعول هذا الدواء لا يناسب الجميع لذا نرى أن المريض اذا اصيب مرة اخرى بنفس المرض واعطي نفس الدواء لايشفى منه، كما ان بعض انواع الادوية تسبب الادمان في حال الاكثار منها وتتسبب بنتائج عكسية للمريض”.
العقابي لفت الانتباه الى ضرورة اشراك وسائل الاعلام ودائرة الصحة العامة بحملات لتوعية المواطنين بخطر صرف الادوية من دون وصفة طبية متابعا بقوله:
“لا بد من توعية الصيدلاني الذي يعلم بمضار الدواء الذي يعطيه للمرضى، لكن بعضهم عميت ابصارهم وسيطر على قلوبهم الجشع، هذا وان دائرة التفتيش في وزارة الصحة تبذل المزيد من الجهود في زيارة المؤسسات غير الحكومية بضمنها الصيدليات لمتابعة عملها”.
 
جلسات سريرية
 الطبيب الاختصاص عضو جمعية اطباء الاسرة عباس فرهود حسين يوضح أنه”من الضروري ان يقوم كل طبيب بجلسة سريرية للمريض يسأله فيها عن تاريخه الكامل كالعمر والوزن وهل اجرى عملية جراحية سابقا؟ او اصيب بأحد الامراض الوراثية المزمنة، ومدى تحمل معدته لانواع الادوية، لاسيما الاطفال، اذ ان هنالك ادوية لايمكن ان تصرف للمرضى المصابين بهذه الامراض اضافة الى تجنب حصول تفاعلات بين الادوية داخل جسم الانسان قد يؤدي في بعض الاحيان الى الوفاة، وعدم القيام بمثل هذا النوع من الجلسات يمكن ان يؤدي الى نتائج عكسية لدى المرضى”.
وضرب حسين مثلاً بأمراض فقر الدم  بقوله:
“يصاب الانسان بأمراض فقر الدم  الذي لا يشترط فيها نقص الحديد بل بسبب تكسر كريات الدم، مؤكداً ان الطبيب اذا لم يشخص هذه الحالة بشكل صحيح فإن زيادة الحديد تسبب تسمماً بالكبد والكلية والدماغ لترسبه بهذه الاجهزة مما يؤدي الى تلف مزمن وقاتل، وهنالك ادوية يمكن صرفها من دون وصفة طبية الا ان استخدامها من قبل المواطنين يكون بشكل خاطئ، اذ من الممكن ان يتسبب الاستخدام المفرط  لحبوب “الباراسيتول”الى تدمير الكلى او الكبد في حال تناوله لمدة طويلة”.
وارجع حسين اسباب صرف الادوية التي من الممكن ان تكون خطرة على صحة الانسان من دون وصفة طبية 
الى :
“غياب القوانين الصارمة، اضافة الى ان الكثير من العاملين في الصيدليات هم ليسوا صيادلة اصلاً وانما هم طارئون على هذه المهنة واستغلوا ظروف البلد للعمل في مثل هذه الاماكن الحساسة، مؤكداً وجود رقابة مستمرة على عمل الصيدليات سواء من قبل النقابة او الوزارة واتخاذ اجراءات صارمة بحق المخالفين”.
 
مخالفة قانونية
عضو المفوضية العليا لحقوق الانسان الدكتور علي البياتي بين أنه” بحسب المادة 14 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 40 لسنة 1970 لا يجوز للصيدلي صرف اي دواء ومستحضر كيمياوي الا بوجود وصفة طبية كما لايمكن الامتناع عن صرف هذه الوصفة المكتوبة من قبل طبيب مجاز، فقانونيا لايمكن للصيدلي ان يغير في كمية المواد الموصوفة او اصل الدواء، ما يعد مخالفة لاحكام القانون”.
ويضيف البياتي:
“ ورد في القانون عقوبات واضحة في بعض الفقرات، لكنه وضع فقط غرامات مالية للمخالفات الاخرى التي تشبه مخالفات صرف الادوية من دون وصفة طبية، اذ حدد غرامة مالية لاتتجاوز الـ200 دينار، ولا تتناسب هذه الغرامة، بكل تأكيد، مع الوضع الحالي وانتشار وصف الادوية من قبل الصيدليات، ناهيك عن انها لا تدار من قبل المدير الصيدلي الذي حسب القانون يجب ان يكون متواجدا بل ان الصيدلي في حال تركه للصيدلية يجب ان يبلغ النقابة بذلك ويبلغ السلطة الصحية في وزارة الصحة ولايجوز ان يتغيب اكثر من 15 يوما عنها”.
الى ذلك يشير البياتي الى أننا”نحتاج الى تعديل القانون ليتناسب مع الوضع الحالي كما يجب على نقابة الصيادلة اخذ دورها الحقيقي كونها المعنية بمتابعة وضع الصيدليات في العراق ولها صلاحية احالة الصيدلي الى لجنة الانضباط  وكتابة تقرير الى وزير الصحة لغلق الصيدلية في حال وجود هذه المخالفة، ولدى المفوضية مشروع بالتعاون مع هيئة النزاهة لوضع الاسس الحقيقية والقانونية لمتابعة الوضع الصحي في البلد وتأسيس عمل مؤسساتي للرقابة الصحية في العراق”.
 
إجراءات صارمة
 النائب الثاني لنقيب الصيادلة الدكتور امجد حسيب يقول:
“ بحسب قانون النقابة وشروط  مزاولة المهنة ليس من حق الصيدلاني صرف اي دواء للامراض المزمنة، خصوصاً تلك التي تحتاج الى وصفة طبية، وتعد مخالفة مهنية يحاسب عليها الصيدلي في حال حصول ذلك، والادوية التي يسمح للصيدلاني بصرفها بصورة مباشرة هي التي تقع ضمن قائمة الادوية المسكنة وبحسب مايرتئيه بعد تشخيص الحالة الظاهرة على المريض، في حين ان ادوية الامراض المزمنة كالسكر والضغط فيجب ان تصرف بوصفة طبية من الطبيب المختص، وبعكسه تعد مخالفة قانونية تحاسب عليها النقابة في هذا الاطار”.
واشار حسيب الى”ان صرف الدواء بطريقة خاطئة يعد مخالفة قانونية صريحة وهنالك متابعات مستمرة لهذا الموضوع، الا ان البلد يفتقر الى نظام موحد لصرف وبيع الادوية، وهناك اجراءات صارمة من قبل النقابة بخصوص الشكاوى التي يتقدم بها المواطنون نتيجة صرف دواء معين بشكل خاطئ ادى الى اضرار مادية ومعنوية للمريض”.