جواد علي كسّار
أشار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، منذ يوم البيعة الأولى إلى نهجه الأصولي في الإصلاح، ونبّه إلى سياساته على هذا الصعيد بشكل مقتضب، وهو يقول: "اعلموا أنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغِ إلى قول القائل وعتب العاتب".
وفي ثاني أيام خلافته اعتلى المنبر، ثُمّ راح يصرّح بما كان قد أشار إليه في اليوم السابق، وهو يقول: "ألا إنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان، وكلّ مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإنّ الحقّ القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته وقد تُزوّج به النساء وفُرّق في البلدان، لرددته إلى حاله، فإنّ في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق".
كان هذا الحديث لأمير المؤمنين بمنزلة الصاعقة التي نزلت على رؤوس من يعنيهم الأمر، إذ راحت أصداء مواجهة نداء العدالة العلوية تتجسّد في معارضة شخصيات معروفة لحكم الإمام.
في اليوم الثالث من أيام عهد الإمام دعا الناس إلى تسلم أعطياتهم من بيت المال، إذ أمر عليه السلام كاتبه عبيد الله بن أبي رافع، أن يسير على النهج التالي: "ابدأ بالمهاجرين فنادِهم وأعطِ كلّ رجل منهم ثلاثة دنانير، ثُمّ ثنّ بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك، ومن حضر من الناس كلّهم الأحمر والأسود فاصنع به مثل ذلك".
أدرك سُراة القوم وكبراؤهم أنَّ العدالة الاقتصادية في ظلال حكم علي ليست شعاراً وحسب، بل هي نهج جادّ لا محيد عنه، فراحوا يتذرّعون ويتبرّمون أمام كاتب الإمام وأبدوا تذمّرهم من ذلك، فما كان من ابن أبي رافع إلا أنْ رفع الأمر إلى أمير المؤمنين، فلم يُفاجأ الإمام بانطلاق شرارة المعارضة والرفض من قبل الشخصيات المرموقة، بل أعلن بحزم إدامة نهجه الإصلاحي، وهو يقول: "والله، إن بقيت وسلمت لهم، لأقيمنّهم على المحجّة البيضاء".
هذه وجهة نظر في أولويات الإصلاح العلوي حيث تقدّم الإصلاح الإداري والاقتصادي على الثقافي. ما يهمّنا منها أن الإمام عليّاً لم يستغرق وقته وجهده بالشعارات والمداراة وتسويق الكلام، بل بادر إلى العمل. وما تحتاج إليه الساحة في العراق كما في العالم الإسلامي قاطبة، هو العمل لا الكلام!