"نحن الرقم واحد" هكذا قالت جاكندا ارديرن رئيسة وزراء نيوزيلندا في أعقاب عملية اطلاق النار الجماعية في شهر آذار الماضي التي خلّفت ستين قتيلاً من المصّلين الذين كانوا في مسجدين من مساجد مدينة كرايستتشرتش، وأحالت تلك الدولة – الجزيرة الواقعة وسط المحيط الهادي الى مركز اهتمام للعالم الإسلامي.
وتوافد أبناء البلاد، بغض النظر عن لون بشرتهم أو عقيدتهم، لتعزية ومساعدة المجتمع المسلم المفجوع كي يتعافى. ويحظى التضامن الاجتماعي والتعاطف مع الآخرين بقدسية في الإسلام، ومع أن مسلمي نيوزيلندا يشكلون واحداً بالمئة فقط من أعداد السكان، فيشير تحليل حديث الى أن تلك الدولة هي اكثر من يتبّع المبادئ القرآنية.
وتعمل منظمة "الأساس الاسلامي" غير الربحية، المتّخذة من الولايات المتحدة مقراً لها، على إصدار نشرة تدعى "المؤشر الإسلامي"، حيث تصنّف وتضع موازين لحكومات العالم من خلال مدى حسن التزامها بالمبادئ الإسلامية المشرّعة في القرآن، ومنها الالتزام بتعاملات مالية خالية من الفائدة، ومساواة التعليم وحقوق الملكية وحقوق الحيوان، وأخرى غيرها. ولا تضم القائمة الواجبات الشخصية المطلوبة من الفرد المسلم، كالصلاة والصيام والحج.
وضمن الدراسة الاستقصائية الأحدث، كانت الدولة ذات الغالبية المسلمة والأعلى تصنيفاً هي الامارات العربية المتحدة وقد حلت بالمرتبة 45، (الولايات المتحدة أتت بالمركز 23)، أما الأدنى ترتيباً فكانت اليمن، حيث الإسلام هو دين الدولة. ولا يوجد دين رسمي وفقاً للقوانين النيوزيلندية، ونصف أعداد السكان الخمسة ملايين تقريباً يعرّفون بكونهم من المسيحيين، لكنها سجلّت أعلى النقاط لبعض الحقول التي يتعقبها المؤشر، وبضمنها قوانين مكافحة الفساد وبرامج تخفيف الفقر.
المؤشر هو من بنات أفكار حسين عسكري، الايراني المولد، ولكنه درس الاقتصاد في بريطانيا وأميركا، حيث أسس لنفسه مهنة تبحث بعالم المال وفقاً لتعاليم الإسلام؛ وأطلق المؤشر مع تحفيز مثير للجدل. يقول عسكري: "بعد وفاة الرسول بفترة قصيرة جداً، أختطف الإسلام على يد رجال الدين والحكام بجريهم وراء مصالحهم، وتم تطبيق الإسلام بشكل كبير خلال أيامه الاولى، لكن إذا أمعنّا النظر بما يجري اليوم، علينا التساؤل عن أمور تخص التفسير".
محاولة للإصلاح
وبخلاف بعض الأديان الكبرى، مثل الكاثوليكية، التي لديها زعيم عالمي واحد يصدر التوجيهات الملزمة، يعتمد الإسلام على تفسير القرآن من قبل العلماء، أي مجموعة من الباحثين المتخصصين؛ وهذا يفسح المجال أمام تنوّع من التفسيرات، بكلا الوجهين، متحررة ومحافظة. ويقيّم المؤشر الإسلامي أربعة حقول رئيسة: الاقتصاد، والقانون والحكم، وحقوق الإنسان والحقوق السياسية، والعلاقات الدولية؛ ويتم إعطاء الحقول الثلاثة الأولى ثلاثين بالمئة لكل واحدة منها، وتخصص للعلاقات الدولية، أو كيف تتفاعل كل دولة مع العالم، عشرة بالمئة.
يقول عسكري: "بحثت بالتعاليم الإسلامية الرئيسة، ووجدت أن القرآن ينص على وجوب عدم وجود فقر، بالتالي ننظر الى جميع مؤشرات الفقر، لنرى أداء الدول الإسلامية شنيعاً، وهي تتقافز من سنة لأخرى. حالياً، ماليزيا هي الأفضل بالمجمل، لكن المشاكل لا تزال قائمة خاصة بالنسبة للفساد وحقوق الإنسان." ويقول عمران البدوي، مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط في جامعة هيوستن، والمدير المؤسس للرابطة الدولية للدراسات القرآنية: "أعتقد أنه درس لا يمكننا معه فصل الشرق عن الغرب، ولا يسعك فصل المسلمين عن سواهم. حينما نفكر بمخيّلتنا الغربية التوجه، نفكر بتوماس جيفرسون، الذي صاغ عبارة "الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة". لكن هناك جسداً متنامياً من أدب يعنى بنفس تلك المبادئ ينتج من حوار مع إسلام تقليدي. إنه حوار دائم، بتلقيح متبادل".
لكن مع عدم وجود تفسير واحد مقبول للقرآن بشكل واسع عبر العالم، ستسيطر الذاتية على الأحكام. يقول شادي حامد، مؤلف كتاب "الاستثنائية الإسلامية"، الذي يتفحّص العلاقة بين الإسلام والسياسة: "الليبرالية، كما يفهمها الغرب، لم يتم احتضانها من قبل العديد من الدول ذات الغالبية المسلمة، فهي لم تتحقق ضمن الشرق الأوسط ومناطق أخرى، كجنوب وجنوب شرق
آسيا".
تباين واضح
دول مثل تونس، التي انحدرت من المركز 75 سنة 2017 الى 86 خلال العام الماضي، تعد أقوى في بعض هذه المعايير، بحسب حامد: "تونس، وكذلك لبنان وأحياناً العراق، تعتبر أماكن لديها مستويات بارزة من التعددية الحقيقية، والتنافس الحقيقي وحرية التعبير عن الأفكار السياسية بدون الخوف من الملاحقة." وحينما يتعلّق الأمر بالسعودية، التي ينظر لها الغرب تاريخياً، بوصفها حليفاً وزعيماً للعالم الاسلامي، يتفق رأي حامد مع المؤشر، فقد تراجعت السعودية ثلاث مراتب، لتحل بالمركز 85. ويقول عسكري أنه بينما كان أداء السعودية باهتاً فيما يتعلق بحقوق الإنسان والسياسة، مسجلة (3,63) فقط، فهي مدعومة باقتصادها العملاق. يقول حامد: "تعد السعودية دولة شمولية تقريباً، وهي من أكثر دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الى جانب مصر وسوريا، التي تفعّل وسائل مراقبة كاملة لكل فكرة."
ولم تتراجع كل الدول الإسلامية، فقد تقدمت اندونيسيا، الأكبر تعداداً بين الدول المسلمة، عشرة مراكز، بينما تراجعت ماليزيا أربع مراتب لتحل بالمركز 47، لتحل ثالثة بين الدول الإسلامية، مع رفع التغيير التاريخي للحكومة العام الماضي المشاعر تجاه الإصلاح. لم ينزعج عسكري لما يقوله المنتقدون: "نظرت الدول الى هذه البيانات، وصارت واضحةً للغاية أسباب أدائهم السيئ، وما يجعهلم يشعرون بالإنزعاج." وبررت البيانات التي جمعها مصرف التنمية الإسلامي كرد على نتائج السنين الأولى من المؤشر المشروع الإسلامي، كما يضيف عسكري؛ وهو يعتقد بضرورة النظر الى مؤشره، الذي يعده الإسهام الخاص به الى العالم الإسلامي، كمرجع بدلا من إتهام: "مجمل الفكرة تدور حول مقياس يمكن احتسابه كي يتمكّن الناس من مراجعة رجل الدين والقول أننا في هذا البلد لا نفعل هذه الأمور، وهي مصدرها القرآن."
يواصل عسكري القول: "يعطينا المؤشر مقياساً لكيفية إصلاح امورنا حينما توجد نواقص، وصار واسطة لتحقيق اصلاح سلمي واستهلال نحو تغيير مجد".
مجلة أوزي الأميركية