دول الخليج تتنافس على السلطة في الصومال

بانوراما 2019/09/01
...


ديفيد كيركباتريك  ترجمة: خالد قاسم
 
 
 
عندما انفجرت سيارة مفخخة صغيرة خارج قاعة محكمة مدينة بوساسو المطلّة على البحر شمال الصومال قبل شهرين تقريبا، نسبت وسائل إعلام محليّة التفجير لمسلحين ارهابيين ينتقمون من غارات جوية أميركية، وتبنى الفرع المحلي لداعش مسؤولية العملية. هذا الهجوم قد يكون جزءا أيضا من نزاع مختلف جدا: نزاع بين دول الخليج الثريّة المتنافسة على السلطة والأرباح عبر القرن الأفريقي. فقد برزت الصومال خلال العامين الماضيين كساحة قتال مركزية، اذ توفر قطر والامارات العربية المتحدة السلاح أو التدريب العسكري لفصائل مفضّلة لدى كل دولة، وتتبادلان الادعاءات بشأن دفع رشاوى لمسؤولين محليين والتنافس على عقود ادارة الموانئ أو استغلال الموارد الطبيعية.
وقد حصلت صحيفة نيويورك تايمز على تسجيل صوتي لمكالمة هاتفية جرت بين سفير قطر لدى الصومال مع رجل أعمال مقرب من أمير قطر، قال فيها إنّ المسلحين نفذوا تفجير بوساسو لخدمة مصالح الدوحة من خلال طرد منافستها الامارات العربية المتحدة. 
وذكر رجل الأعمال خليفة كايد المهندي في المكالمة: «نعرف من يقف وراء عمليات التفجير والقتل، وإن هدف العنف هو الضغط على جماعة دبي للهروب من هنا.. لندعهم يطردون الاماراتيين، ومن ثم لن يجددوا العقود معهم وسوف أجلب العقد هنا الى الدوحة».
اذا صحَّ هذا الكلام فإنّه يعدُّ دليلا جديدا صارخا على امكانية التنافس بين دول الخليج لاشعال الفتنة داخل القرن الأفريقي. 
يقول زاك فرتين الخبير بمعهد بروكنغز ودبلوماسي أميركي سابق في المنطقة: «الصومال أكثر مثال حي على زعزعة الاستقرار الناتج عن التنافس الخليجي. يرى الخليج تلك الدول تابعة لهم، ويتعلق الأمر بالسيطرة على المكان: أي تثبيت العلم على الأرض واغلاق المكان وتقوية العلاقات قبل وصول 
منافسك».
 
صراع اقليمي
يمثّل التدافع على السلطة في الصومال والقرن الأفريقي امتدادا للحرب الباردة التي اشعلت في المنطقة منذ بداية الربيع العربي، اذ دعمت قطر وتركيا الانتفاضات والأحزاب الدينية الصاعدة معها. أما السعودية والامارات فعارضتا الثورات وتلك الأحزاب واتهمتا قطر بدعم
الارهابيين.
الصومال دولة فقيرة، لكن ساحلها الطويل يقدم ممرا الى أسواق المنطقة سريعة النمو ويؤثر على خطوط الملاحة الحيوية من الخليج، وتدير شركة اماراتية ميناء في بوساسو.
عند توجيه السؤال لهما عن الحديث الهاتفي، لم ينكر المهندي ولا حكومة قطر صحة التسجيل، لكنّهما قالا إنّه كان يتحدث بصفته كمواطن عادي وليس مسؤولا حكوميا. 
ووجه مكتب الاتصالات القطري بيانا الى الصحيفة ذكر فيه أنّ: «سياسة دولة قطر الخارجية كانت دوما تخلق الاستقرار والازدهار، ولا نتدخل بالشؤون الداخلية للدول ذات السيادة، وإن أي شخص يفعل ذلك لا يعمل لصالح حكومتنا».
لكن المكالمة الهاتفية التي سجّلتها أجهزة مخابرات دولة معادية لقطر، أظهرت تعبير السفير عن رضاه على فكرة أداء القطريين دورا في التفجيرات، وذكر السفير حسن بن حمزة هاشم خلال المكالمة: «لهذا السبب تم تنفيذ هجمات هناك، لكي يدفعوهم للهرب». 
يعرف عن المهندي قربه من الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وهناك صور فوتوغرافية للرجلين معا، ووفقا لتقارير أخبارية ورسائل نصيّة فإنّ المهندي عادة ما يسافر مع الأمير. وخلال مقابلة هاتفية قصيرة مع الصحيفة، نفى السفير معرفته بالمهندي وسرعان ما أغلق الخط.
قال المهندي عبر مكالمة أخرى إنّه «زميل مدرسة « للسفير «أنا رجل متقاعد وتاجر ولا أمثل أية حكومة». وعندما سُئل لماذا وصف مفجري بوساسو بالأصدقاء، أجاب «كل الصوماليين أصدقائي».
اذا كان الهدف من تفجيرات بوساسو طرد الاماراتيين، فهو ليس الهجوم الأول الموجّه نحوهم في هذا المكان. اذ تنكر مهاجمان بهيئة صيادي سمك وأطلقا النار على مدير شركة اماراتية مشتركة بادارة الميناء أواسط شباط الماضي مما تسبب بمقتله واصابة ثلاثة موظفين آخرين.
من جهتها، إدعت حركة الشباب مسؤوليتها آنذاك قائلة إنّها اغتالت المدير لأنّ الشركة الاماراتية «تحتل» ميناء بوساسو. وأشار المهندي خلال المكالمة الهاتفية الى عقود الحكومة مع شركة موانئ دبي العالمية، وذكر أن قريبا للرئيس «يقف معي» وسوف يحول عقود دبي الى قطر.
 
انقسامات محلية
يرى كل من تنظيم «حركة الشباب»، وهي فرع للقاعدة، وتنظيم داعش الحكومة الصومالية كعدو رئيس لهما. 
ونفذت الامارات عمليات عسكرية ضد الجماعتين، لكن من غير الواضح لماذا تقف الحركتان مع قطر الداعمة لحكومة مقاديشو أيضا.
نفت الدوحة دعمها للشباب أو الجماعات المسلحة الأخرى، وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد اتهم قطر سابقا بتمويل جماعات ارهابية، غير أنّ الأمير تميم عندما زار البيت الأبيض مؤخرا وصفه ترامب بالصديق، كما ثمّن وزير الخزانة ستيفن مونشن مساعدة تميم بمكافحة تمويل 
الارهاب. 
ويقول مسؤولون أميركيون إنّ الاتهامات ضد قطر انتقائية بأحسن الأحوال، وأشاروا الى عقد عدة دول خليجية تحالفات تكتيكية مع مسلحين متطرفين أو سعت لتعقّب التبرعات لصالح المتشددين من قبل أفراد أثرياء.
انتقلت الامارات من بين كل دول الخليج بشراسة لنشر نفوذها داخل القرن الأفريقي، وأرسلت فرقا مرتزقة وقوات خاصة الى الصومال منذ العام 2012 لمحاربة القرصنة قبالة الساحل، وتوسعت عملياتها العسكرية لمحاربة حركة الشباب وجماعات أخرى. 
كما أسست الامارات، بمرور الوقت، سلسلة من ستة موانئ تجارية أو قواعد عسكرية حول خليج عدن والقرن الأفريقي، وتشمل قاعدة عسكرية ضخمة عند مدينة عصب الارتيرية، التي أستخدمت لشن عمليات ضد اليمن.
تبرّعت تركيا خلال المجاعة الحادة، التي وقعت سنة 2011، بمساعدة انسانية كبيرة، وتبعت ذلك باستثمار تجاري واسع. وفتحت تركيا قاعدة عسكرية كبيرة وبرنامج تدريب قرب مقاديشو سنة 2017. وحاولت حكومة الصومال البقاء على الحياد وتجنب الحرب الباردة الاقليمية، لكنّها صادرت أكثر من تسعة ملايين دولار من طائرة اماراتية بعد وصولها مطار العاصمة العام الماضي. 
وقال مسؤولون اماراتيون إنّ الأموال كانت موجهة لدفع رواتب جنود وأفراد شرطة صوماليين يخضعون لتدريب اماراتي. 
أما الصومال فاتهمت الامارات بالتخطيط لاستغلال الأموال لشراء النفوذ أو زعزعة استقرار البلاد. وكانت نتيجة تلك الحادثة هي تحويل الاماراتيين دعمهم وعملياتهم الى اقليمين شماليين معاديين للحكومة المركزية، وهما (جمهورية) أرض الصومال المنشقة، ومقاطعة بونتلاند ذات الحكم الذاتي التي تضمُّ 
بوساسو.