ابراهيم العبادي
تقترب حكومة عادل عبدالمهدي من اكمال سنتها الاولى في ظل تداعيات محلية واقليمية كبيرة، صمود الحكومة بوجه العواصف والزوابع الكثيرة مؤشر من مؤشرات الاستقرار السياسي، لكن هذا المعيار ربما لا ينفع في قياس حالة العراق السياسية، باعتبار ان بقاء الحكومة متماسكة وممسكة بزمام الامور (رغم فراغ حقيبة التربية) ،لا يمثل استقرارا كبيرا في الاوضاع السياسية او نضجا مضافا للطبقة السياسية باطرافها المختلفة، ولا حتى سلوكا مختلفا عما الفته العملية السياسية العراقية، الفضل في ذلك يعود الى سعي رئيس الحكومة الى امتصاص غضب الشارع السياسي ومنهجه المتوازن في التعاطي مع الازمات والمشكلات ومناعته الذاتية في منع الهجمات السياسية والاعلامية والضغوط المختلفة من ان تنال من مسلكه في التعامل بهدوء مفرط مع جميع المشكلات .
الصيحات التي تدعو رئيس الوزراء الى التعاطي بجرعة وحزم وسرعة قرار وقبضة حديد مع اطراف المشكلات والازمات لم تجد اصداء كبيرة في اروقة قصر الحكومة ولا في قصر السلام او قصر المؤتمرات، اذ يبدو ان الترويكا الحكومية متفاهمة كثيرا في كيفية التعاطي مع زوابع التصعيد والتسخين التي تثار في العراق ،لكن مخاوف جدية من ان يضخ الموسم العاشورائي الراهن، دماء ساخنة في عروق تيار عريض في البلاد يريد ان يعبأ عسكريا وسياسيا باتجاه تصدي حازم وفعلي لعدوانات اسرائيل على العراق، القضية ليست في الرغبة او عدم الرغبة في ذلك، فالشعور السياسي في البلاد على اشده حنقا وغضبا على تجرؤ تل ابيب على استغلال ظروف العراق الراهنة للنكاية بقواه العسكرية المتمثلة ببعض فصائله المسلحة، والعراقيون بطبيعتهم مستعدون لنسيان كل مشكلاتهم لرد العدوان، لكن القضية ليست في امكانية الرد العسكري من عدمه، فالجميع يعلم بضآلة امكانيات هذا الرد لتباعد الحدود وضعف التكنولوجيا، انما المشكلة في ما يترتب سياسيا على هذا الرد، طبعا كل ذلك مشروط بان تحسم الدولة العراقية موقفها وامرها بعد ان تتأكد قطعيا من مسؤولية اسرائيل عن العدوان والهجمات، اذ ان الشروط المحلية لمثل هذا القرار لا تبدو متوافرة كثيرا، فهناك قوى عراقية عديدة شيعية وسنية وكردية لا تريد لفصائل عراقية مسلحة، وان انضوى بعضها تحت مظلة الحشد الشعبي، ان تكون سببا في فتح جبهة معارك سياسية ومفاهيمية وعسكرية مع اسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة، في ظل وهن سياسي واداري واقتصادي عراقي، كما ان معركة مثل هذه لن تحسب بأنها معركة العراق الخاصة، بل هي معركة وكلاء عن متخاصمين اساسيين، ويعنون بهما ايران وحلفاءها من جهة، والمحور الاميركي الاسرائيلي وداعموه من جهة اخرى، الحكومة العراقية تعرف جيدا تعقيدات هذه القضية واثرها المباشر في اوضاع العراق ومعادلاته السياسية والامنية وانعكاسات هذا الصراع على الاقتصاد والاستقرار المجتمعي والانسجام المكوناتي داخل العراق، المتحمسون لفكرة التصعيد والرد المباشر، يدفعون باتجاه فكرة مغالبة المشكلات من منطلق التعبئة العامة ضد عدو خارجي، فطالما يتوحد الشعب ضد عدو معلوم ومنبوذ كاسرائيل، فان الكثير من المشكلات ستختفي وسيظهر الشعور الوطني والقومي باعلى مظاهره، وستهون كل القضايا التي تمس هذا المكون وذاك الفريق لمصلحة شعار كل شيء من اجل المعركة، هذا المنطق يروج له نخبويون وكتاب وسياسيون بمنطق مشاريع المقاومة التي ينبغي ان تنطلق لمواجهة تغول المشروع الاخر الذي يسمى المشروع الاميركي الصهيوني في المنطقة، نحن امام رؤيتين متضادتين تقف خلفهما مشاريع سياسية، هذا يعني ان العراق سيظل يعاني من تخاصم وتنافس المشاريع السياسية والايديولوجية، وسيكون ميدان هذا التنافس ساحة الحكومة نفسها، فاصحاب المشروع الاول يريدون للحكومة ان تكون ذات قرار حاسم، تمنع اي حزب او فصيل او تيار ان تكون له ستراتيجية عسكرية وامنية ومواقف خارج سياسة الدولة وخططها وستراتيجياتها الامنية والعسكرية ورؤيتها الرسمية لدورها وعلاقاتها الاقليمية والدولية، اما المتحمسون فانهم يدفعون باتجاه شحن مشاعر بعض المشاركين في الحكومة والعملية السياسية ويضغطون باتجاه بلورة مواقف (ثورية) اكثر قربا من رؤية مشروع المقاومة، وكلما قويت هذه الفكرة ازدادت الحكومة ضعفا واصبح لها منافسون كثر على قراراتها ورؤيتها وتقديراتها لمصالح العراق الواقعية وليس المتخيلة، بما يغيض الاطراف الاخرى التي تريد للحكومة ان تكون ذات سيادة واقعية وفاعلية قوية على الارض بحيث لا يجرها فصيل ولا يرغمها تيار ولا يستفزها شعار مهما كانت حقانيته، بالنتيجة فان الصراع الحقيقي القائم حاليا، انما هو صراع على رأس الدولة وسيادتها وقدرتها على اتخاذ القرارات والسياسات ذات المصلحة الوطنية الضامنة لحقوق اطرافها ومكوناتها وتياراتها المتعددة. كيف سينعكس هذا الصراع على مستقبل الحكومة ؟ حتى الان لا يبدو ان المناكفات السياسية ستطول رئيس الحكومة الذي يمثل حلا وسطا لجميع الاطراف، انما سيكون الاداء الحكومي في معرض نيران البرلمان والمعارضة السياسية ولكل كتلة اجنداتها المختلفة، فهناك وزراء ومسؤولون لم ينجحوا فعلا في مهامهم ووزاراتهم ولم يظهر على ادائهم ما يؤشر اختلافا عن المرحلة السابقة، وهناك من يريد ان يخاصم رئيس الوزراء بصورة غير مباشرة بالطعن في وزرائه وامكانياتهم، وفي كلا الحالتين، فان هدوء الحكومة وثباتها معرض للاهتزاز في الفصل التشريعي المقبل ما لم يسارع اهل الحل والربط الى تهدئة الامور لمصلحة بقاء العراق مستقرا وبدون فراغ حكومي او شلل
وزاري.